حتى تتحقق التطلعات

لا يمكن أن يصل العمل الجماعي ومن أي شكل ونوع إلى النجاح وتحقيق الأهداف إذا لم يكن مدروسًا ومنظمًا من الأساس وقائمًا على ثوابت راسخة.

فلو نظرنا لكل تشكيل رسميًا كان أو تطوعيًا لوجدنا أنه يقف على أسس وأنظمة علمية وإدارية مدروسة، ونمذجة مؤسساتية متقنة، على اختلاف القدرات والإمكانيات ونوع الأنشطة والأهداف، بعيداً عن الارتجال والعفوية في المنهج والأسلوب.

ما من عمل نجح بالبركة والصدفة والحظ والعفوية، أو التفرد بالرأي والقرار وتهميش الآخر والتحزب وتسخيف الآراء وفرض الأمر الواقع والتداخل في الاختصاصات والصلاحيات إن وجدت افتراضًا، بل لابد أن يكون خلف كل عمل نجاح عقول وفكر ومنهجية وتدبير وهذا لا يتأتى عفويًا.

ولربما يصدف أن ينجح فرد أو مجموعة في أمرٍ ما مبدئيًا لسبب أو لآخر مثل التعاون والفزعة ونخوة اللحظة، ولكن ذلك لا يستمر طويلًا، إذ لابد لاستمراره أن يلجأ أصحابه لوضع ضوابط عملية وتشكيلية إدارية فاعلة تتمثل في التنظيم والهيكلة وتوزيع الاختصاصات والمهام بمنهجية وإجراءات واضحة حتى يعرف كل فرد اختصاصاته ومهامه على اختلافها من رأس الهرم حتى قاعدته، كما ويعرف الخطط الموضوعة والطريق المرسوم له حسب ما يقره النظام، كل ذلك من أجل أن تتكامل المنظومة وتكون خطوات العمل المتبعة واضحة وفاعلة وهادفة، أما إذا استمر العمل ارتجالًا وإن نجح في البداية إلا أن ذلك لن يستمر ومصيره سيكون التخبط ثم الفشل باللزوم سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات خاصة مع توسع وتفرع نطاق الأنشطة وتعدد الأهداف.

لكل فرد في أي منظومة وظيفة معينة طبقًا لقدراته ومؤهلاته والتي تؤهله للقيام بمهام وظيفته على الوجه الأفضل وهذا أمر مفروغ منه، وهو ما يجب أن يكون عليه الحال أيضًا في مختلف المنظومات الرسمية أو التطوعية، ولو تأملنا لوجدنا أن الحياة العامة كلها وكما هو معروف قائمة إراديًا على نظم إدارية تلقائية سواء ذاتية أو جامعية مختلفة المستويات وهي تصل حتى على مستوى الأسرة الواحدة، وحتى الفرد الواحد ذاته تختلف باختلاف الفهم والإدراك، فإذا لم يكن هذا الفرد منظمًا ذاتيًا فسوف تكون حياته حياة عبثية وعشوائية متخبطة لا يمكن أن يتحكم فيها مع افتقاده لحسن إدارته لنفسه.

لهذا وحتى تكون بيئة العمل صحية وناحجة يجب إعطاء كل ذي حق حقه تنظيميًا وتنسيقيًا، وبما أن الفرد عضو في جماعة، فله حق إبداء الرأي والنقاش وإثبات الذات والجدارة فلربما يكون أفضل من غيره، ذلك الغير الذي يتفرد بالرأي ويستأثر بالمهام والصلاحيات والقرار في الوقت الذي يقلل من شأن الآخر الذي يماثله في الحقوق، وهذا استقواء في غير محله، ولذا لا تطلب من أي فرد أن يكون فاعلًا أو داعمًا أو منتجًا إذا لم تضع الثقة كاملة فيه وهو الذي ربما يتفوق على آخرين يرون أنهم الأفضل، وهنا لا تلعب الأقدمية ولا الخبرة ولا الإمكانية دورًا تمايزيًا، إنما التمايز يكون لصاحب العطاء المثمر والذي يتجسد على ظهر الواقع ليكون عملًا فاعلًا مثمرًا تطرزه الجودة ويؤطره الإبداع حتى تتحقق التطلعات.

إننا نقدر كل الجهود التي يقوم بها أفراد المجتمع الواحد ونأسف أنه يوجد من يحارب الفاعلين الاجتماعيين ويكيل لهم الاتهامات جزافًا، ويستنقص مجهوداتهم وخدماتهم، ونقول إن ساحات العطاء مفتوحة ومكفولة لكل من يريد أن يخدم مجتمعه المحيط وبالتالي وطنه الكبير والبقاء دائماً للأفضل دون استقواء أو استئثار.


error: المحتوي محمي