ارتخت قبضةُ الشمس قليلًا فاستجابت الطبيعة من حولنا، أوراق الأشجار عادت خضراءَ واكتست أزهارًا تنتظر الشتاء. وبدت الشواطئُ مرتاحةً لاخضرار العشب مُرحبا بمن يمشي على أطرافه، وحطت الطيورُ المهاجرة رحالها لتغني ألحانَ غربتها البعيدة.
وأجمل من عادَ هو الإنسان؛ يمشي ويهرول ويجري راغباً في الصحةِ والعافية ذكورًا وإناثا، صغارًا وكبارًا.
هذه الحركة تنفع، فهل تخيلت أن يكبر الإنسان ويحتاج – لا سمح الله – أحدًا من الناس يتكفل بحاجاته الخاصة حين تضعف قواه؟ هل تعرف كم هو صعبٌ مستصعب على ذي كرامة أن يطلبَ من آخر معونة وخدمة في زمنٍ عزَّ من يقدمها دون منَّة وتأفف، وينكشف للغرباءِ ما ستره الله؟ لابدَّ أنه يترك طعماً مرًا في الفم!
أجسامنا منتجات وصناعات ربانية تقويها الحركةُ والنشاط والتغيير ويميتها الخمولُ والكسل، وإن خفَّت همتها في بعضِ الأوقات، وإلا لماذا تتغير وتتقلب الفصول، أليس من أجلِ أن تعطينا إشارات وبدايات الحركة والانتقال؟
هي الصحة كلنا جميلون عندما نملكها، فقراء أم أغنياء، مرفهون أو معدمون، لا يهم كل ذلك إن كنا أصحاء. وهي النعمة التي نظنها لا تزول وإذا زالت أو اختفت – فقط – لأيام بكينا وتأسفنا عليها. هي النعمة التي تطيب كلَّ ملذاتِ الحياة، ومع ذلك هي في ذيلِ قائمة الاهتمام. في أيدينا لا نعيرها اهتماماً، ثم إذا هي مثل الشمسِ مالت للغروب، سألنا كيفَ تعود؟ ومتى تعود؟ وهل تعود؟ وإليك انظر ما نفعله بأنفسنا من تخمة وكسل وتناول السموم بجميع النكهاتِ والروائح!
لا حقيقة أعظم من أننا بشر ويصيبنا العطب، لكنَّ هذه الحقيقة لا يجب أن تتحملَ المسؤولية وحدها عن صحتنا والعناية بها، إذ الفوضى في حياتنا لها نصيبٌ كبير من الملامةِ في اعتلال صحتنا. وإلا لماذا حثت وصايا الرسل والأطباء والحكماء على الاعتناء بالمأكل والمشرب والمنام، والحركة والانتشار؟!
هي أيام أو أسابيع قليلة تنخفض فيها حرارة الشمس وتهب نسائم الهواء القليلة الرطوبة في الشهور بين أكتوبر ومارس؛ فرصة جيدة تتجدد لمن أراد أن يشحذَ همته ويجدد ما تقوضَ من عزائمه، إذ لا صحة لعقلٍ أو نفس إن فسد الجسد.
العيش الطيب كما قال الشاعر المتنبي في الصحَّة والشباب:
آلَةُ العَيشِ صِحّةٌ وَشَبَابٌ
فإذا وَلّيَا عَنِ المَرْءِ وَلّى
فإذا لم يكن في مقدورنا أن نبقى شبابًا، لعله وبإرادة الله أن نحفظ صحتنا بمقدار ما نستطيع.