أصغر وأنصح أنثى خلدها التاريخ!

كان لهذه الأنثى متابعون كثر – لا يحصي عددهم إلا الله – مع أنها لم تمتلك هاتفاً نقالاً أو أيًّا من وسائطِ التواصلِ الاجتماعي الحديثة. فلم تنتشر لها صور راقصة أو مقاطع رديئة أو “إعجابات”. خَلُدت في التاريخ بسبب كلماتٍ في وقفة قصيرة وحكيمة وصار مليارات البشر من المسلمين يأتون جيلاً بعد جيل ويعرفونها بالنملة!

واحدةٌ من أنثيات النمل حظيت بخلودٍ دائم في التاريخ ولها سورة تسمى “سورة النمل” في القرآن تحكي حديثها مع النبيّ الملك العادل سليمان (ع). مليارات البشر كلَّ يوم يتعجبون من حكمتها وكمالِ عقلها وغيرتها وحبِّها لمجتمعها، وكيف أنقذت متابعيها من الهلاك وأدخلت السرورَ إلى قلبِ سليمان.

تحرك سليمان بجيشه العظيم حتى أتوا على واديها، هي ومتابعيها، في منطقةٍ على مقربةٍ من الطائف، فلما علمت أنه وجنوده قادمون نحوهم خاطبت قومها وحذرتهم ورجتهم أن يدخلوا مساكنهم خوفاً من أن يطأهم سليمانُ وجيشه العظيم ويحطمونهم دون أن يشعروا بهم. وفعلاً أيقن متابعوها صدقَ نصيحتها ودخلوا مساكنهم ونجوا.

كان بإمكان النملة أن تهرب وتختفي في مسكنها وتقول: لا شأنَ لي بكم، أنتم وقَدَركم، كما هو الحال في من هو أكبر وأعقل منها من المخلوقات، بل أعقل المخلوقات ويسمى الإنسان! لكنها حرصت على من معها فنجت ونجوا كلهم من الهلاك، وفرحَ النبي الملك سليمان وتبسمَ ضاحكاً من قولها ثم دعا بأجمل دعاء له ولأبويه “رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـلِحاً تَرْضـهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصّـالِحِينَ”.

من الجزمِ أن الحكمةَ وكمال العقول لا تقاس بحجمِ الأجسام أو كثرة الأقوال وليست نقاشاً بين الذكور والإناث فنحن نطأ ملايين النملات كلَّ ثانية؛ وهي في نظرنا ليست سوى حشرات خفيفة ضئيلة الجسم. بل الحكمة الكاملة تتمظهر وتتمحور في الأفعالِ التي تخلو من الأنانية والفردية ويكون لها نتائج نافعة لفاعلها ولغيره من جنسه.

فها هي نملة صغيرة أرضت ربَّها وأنجت قومها من الموت، وسَرَّت نبيها وصارت قرآناً يقرأ. وكم من إنسانٍ كبير الحجم “وافر العقل” أغضبَ ربَّه وأقرحَ قلبَ نبيه، وأعانَ في هلاكِ قومه؟!

ولربما سلوك معظم أبناء آدم يختصره المثل الشعبي القديم “إن سلمت أنا وناقتي ما عَلَي من رفاقتي”. والذي يعني في زمن الشدائد متى ما نجوتُ أنا وناقتي فلا يهم إن هلكَ من يصاحبني في سفرِ الدنيا.



error: المحتوي محمي