بالصور.. معماريون يقفون على بقايا قلعة القطيف المتناثرة

وقف عدد من طلاب وطالبات العمارة والتصميم، على شواهد تحكي جزءًا يسيرًا من تاريخ وعظمة فنون البناء في القطيف، في زيارة استطلاعية لبيوت قلعتها العتيقة، والتي يحكي ما تبقى منها تاريخ معماري في منطقة موغلة في القدم، تعاقبت عليها حضارات على مدى التاريخ.

وعلى مدى يومين، اصطحب الباحث إسماعيل هجلس، طلاب وطالبات العمارة، لبيت خميس بن يوسف بفريق السدرة وبيت الجشي بفريق الخان في قلعة القطيف، واللذين يعود تاريخ بنائهما إلى ٤٠٠ عام على أقل تقدير.

ولفت ما تركه البنّاء القطيفي، أنظار المعماريين، من روعة التشييد والدقة والتصاميم واللمسات التي تستوقف المهتمين بتاريخ وفن العمارة، ابتداء من الهيكل الخارجي، مروراً بالمرافق الداخلية، وكيف تم حساب توزيعاتها، وتوزيع الغرف، بما يلبي الحاجة المعيشية لسكان المنزل، بالإضافة إلى لمس الجانب النفعي والجمالي في تصميم الأجزاء المتعلقة بالبيت من أقواس، وأبواب، ونوافذ، ومنافذ تهوية، والذي أكسبها قوة مع تعاقب السنوات.

وأكد طلاب وطالبات في الهندسة المعمارية على أهمية الجولات الاستطلاعية للبيوت التراثية، للتعرف على الطرز العمرانية التي شهدتها المباني في تلك الحقبة، من تفاصيل هندسية وطريقة البناء والمواد المستخدمة فيه، والعمل من خلالها على إحداث حالة من التلاقي بين العمارة القديمة والحديثة مع تغير الظروف البيئية والاقتصادية للبلد.

وذكر طالب عمارة في السنة الخامسة؛ عبدالله محمد عبدالعال أن الزيارات الاستطلاعية قدمت له الكثير من المعلومات المعرفية عن عمارة بيوت القطيف القديمة، والتقسيمات الداخلية لها، مع التركيز على الفوائد منها، من تصميمها في البيوت، وأيضاً المواد المستخدمة وقوتها وتأثيرها على التصميم، منوهًا بأنها عنت له الكثير من ناحية الإلمام بالثقافة القطيفية المعمارية والاجتماعية بشكل مجمل.

وحول سؤال؛ ما مدى إمكانية تطبيق فنون العمارة القطيفية القديمة على العمارة الحديثة؟ أجاب بقوله: “لا أعتقد وهذا فقط من وجهت نظري البسيطة، لأننا الآن في هذا الزمن، يحاول الكثير تقليد الغرب وترك حضارتنا وعدم النظر إليها، مع أننا نحتاج لفهم هذه الحضارة للتغلب على بعض المشاكل التي تواجهنا في منازلنا الحديثة”.

وكشف طالب العمارة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في السنة الخامسة علي أمين أبو سرير أن الزيارات الاستطلاعية للجماعة قدمت له الكثير من المعلومات عن المباني القديمة في محافظة القطيف، وأنواع الزخارف والأقواس، وعناصر البيت القطيفي القديم من تقسيم الغرف وتوزيعها الصحيح ليخدم ساكنيها، وكيفية تسخير الطبيعة ومواد البناء في صالح أهل المنطقة في مبانيهم قديمًا.

وأوضح أن الزيارات التي قام بها من ترتيب أهل المنطقة، مما يوضح أن وجود الكثير من أهل القطيف متعلقون بتاريخ المنطقة ويحرصون على نشر معرفتهم إلى الأجيال القادمة وتنشئة أجيال عاشقة إلى وطنها وأرض أجدادها ومحافظة على تاريخها العريق.

وألقى مهمة تطبيق فن العمارة القطيفية على أهل المنطقة والعمل على تطوير العمارة القطيفية القديمة لتلائم التطور الحاصل في مواد البناء، وإنشاء قطع فنية معمارية حديثة من تاريخ القطيف ومبانيها.

من جانبه، نوه طالب العمارة سنة خامسة (التخرج) محمد آل عبيد إلى العائد من زيارة المعماري للمساكن والأماكن التراثية، والذي يفرضه طبيعة تخصص العمارة ذلك، هو تقديم التغذية البصرية للطالب، مع كثرة ما تراه العين من بناء عناصر عمرانية، فكلما زار المعماري أبنية كثيرة وعرف تفاصيلها و إيجابياتها وسلبياتها كلما نما عنده الحس المعماري، وازدادت خبرته من ناحية حاجات المجتمع والمستخدمين لتلك الأماكن.

ونبه إلى أن هذه الزيارات تعرف المهندس كيف عالج معماريو وفنانو ذلك العصر المشاكل التي واجهوها كالحرارة والرطوبة في الصيف والبرودة والأمطار في الشتاء وغيرها الكثير من المشاكل، بالإضافة إلى التعرف على كيف استفادوا من المواد المتوفرة في بناء تلك الأبنية الجميلة، وكيف وظفوها لتظل قائمةً إلى عصرنا الحالي، كما أن هذه الزيارات تساهم في خلق حالة ارتباط بين المعماري وبيئته وبين الماضي والحاضر.

وقال آل عبيد: “من وجهة نظري أن لكل منطقة هوية معمارية تتميز بها، والمعماري المبدع هو الذي يعكس هوية المنطقة في أعماله المعمارية، باستخدام العناصر المعمارية القطيفية وإسقاطها على العمارة الحديثة، الذي يعتبر فنًا يتقنه المبدعون من المعماريين في استخدام أشكال الزخارف الجصية والأقواس اللوزية وغيرها من العناصر في العمارة الحديثة، مما يعكس هويتنا وطابعنا المعماري ويضيف جمالًا للبناء، وخصوصًا مع توفر التقنيات الحديثة التي ساهمت في سهولة وسرعة الإنجاز، ونقل هذه العناصر من الأشكال التراثية إلى الحداثة بنفس الطابع وباختلاف المواد للتوافق مع العصر الحالي”.

من جانبها، تطرقت طالبة هندسة تصميم داخلي في السنة الرابعة زينب تيسير الصدير إلى الفوائد التي جنتها من الزيارات للبيوت التراثية، بقولها: “حقيقة هذا النوع من الزيارات تزود يمد الإنسان بطاقة لا مثيل لها، وكأنها تؤصل فيه أصله، وتطلعه على جذوره عبر التاريخ المُنعكس على تلك الجدران والأبواب والفراغات، لا يزال حيًا تاركًا فينا شذى وعبير تلك الحضارة، هذه الزيارات مهمة جدًا كونها ما نعود إليه، فلا شك أن جزءًا منا ينقص عندما نتجاهل قصدها والتعرف عليها”.

وأيدت الصدير تطبيق العمارة القطيفية للعارفين بها، كونها عمارة نابعة من أرضها، ومتكيفة مع طبيعة المكان كتخطيط، ومُستمدة منها كمواد إنشائية مُستخدمة، وهي أكثر سبل العمارة ملاءمةً للظروف البيئية للمنطقة، والتي تهيئ بدورها الظروف المعيشيّة المُثلى لساكِنِيها، مشيرةً إلى أنه في العصر الحديث يأخذ المعماريون دورات قوية في التصميم المُستدام (sustniable design) وهو المنحنى الذي تسعى إليه اليوم العمارة الحديثة، أما المُعوّق الوحيد لذلك فهو النظرة القاصرة تجاه هذه الحضارة.


error: المحتوي محمي