عش الكتب.. مشروع فكري وثقافي 

عندما أطرق سمعي اسم مشروع عش الكتب الثقافي، تبسمت ورقص قلبي فرحاً، وراح فكري مسافات طويلة إلى تلك الأعشاش الطيورية البريئة والجميلة، عندما كنا صغاراً نهتم بها وكأنها جزءاً منا ونحن جزء منها، ما كان يخلو بيت أو شجرة إلا وكان فيها عش لأحد أنواع الطيور التي ألفناها وألفتنها وأحببناها منذ صغرنا حتى يومنا، وما زلت أتذكر جيداً بعض تلك الأعشاش الجميلة في دقة تنسيقها وتصميمها وصناعتها من خلال تلك المناقير الصغيرة والجميلة.
لا تغيب عن ذاكرتي تلك الليلة التي كانت الأمطار تهطل فيها بغزارة وكانت شديدة البرودة، ومع ذلك الجو شتوي قارص، نظرت لذلك العش الذي كانت تحتضنه أم حنونة وهي تلتف بجناحيها حول بيضها؛ الصغار، وتهمس فيه وكأنها تخاطبه إني معكم لا تخافوا ولا تحزنوا إن الله معنا.
أحببت أن أنقله مشهداً واقعياً ومشاعر حقيقية نحو معنى عش بنيانه مما تلتقطه تلك الطيور من الأرض، ولكنه متماسك وقوي، ومن قلب ذلك العش ومن ذلك البيض اللؤلؤي، يخرج منه طيور قوية تسبح في أفلاك ربها، وتسافر من بلد إلى بلد حاملة معها ما تعلمته من عشها لكي تعيش في بلد إلى بلد وهي متسلحة بسلاح المعرفة والعلم.
المعلم والمربي الفاضل حسن آل حمادة، لم يكن مشروعه عش الكتب الثقافي وليد اللحظة أو اليوم، وإن كانت انطلاقة بزوغ وانبثاق نوره المبارك، كان في مناسبة اليوم الوطني السعيدة التسعين عاماً، وهذا ما يزيد توثيقه تاريخياً، حيث بصم هذا المشروع المبارك مع تزامن هذه المناسبة السعيدة على قلوبنا، إلا أن هذا المعلم المثقف والفاضل والنشط والبار لوطنه وأبناء وطنه لم يكن عطاؤه الفكري وليد اللحظة، وإنما كان قبل أكثر من ثلاثين عاما وما زال عطاؤه ينبع ولا يتوقف.
بسطة حسن وهي عبارة عن بيع الكتب المختلفة، كانت واحدة من محطاته الفكرية ومناراته العلمية، الذي بواسطتها تمكن من تقديم مئات الكتب بين أيدي محبي القراءة والمطالعة والتجديد الفكري بجميع أنواعه دون تحيز لأي فكر أو تيار، غاية ما يهدف له إيصال الكتاب ليد القارئ وتطويره وتنويره.
إضاءة مشروع عش الكتب الثقافي، والفكري، هو ذلك العش الذي رأيته منذ زمن طويل، أم حنونة بين بيضها تراعيه وتحميه وتخاف عليه، لكي تصنع منه صقوراً وتصنع لها مستقبلاً زاهراً ومضيئاً، وهذا ما يريده ويتمناه ويعشقه ويحلم به معلمنا الفاضل حسن آل حمادة، أن يصنع  من مجتمعه الصقور المتعلمين  والمثقفين والمتنورين.
مشروع عش الكتب، مشروع ثقافي وفكري بامتياز، ولو استطاع كل حي من أحياء القطيف أن يتبنى مثل هذا المشروع في منطقته أو حيه لاستطعنا بعد فترة زمنية أن نجعل الكتاب فيتاميناً فكرياً يتناوله الجميع يومياً وبمحبة وشوق، وسوف نجد فيما بعد نتائج مستوى القراءة من خلال هذه الفكرة الإبداعية، قد قفزت إلى مستويات عالية من التقدم والاهتمام بالقراءة، وهذا سوف يعكس تميزنا في العطاء الفكري والثقافي.
وفكرة مشروع عش الكتب الثقافي، ما هو إلا مولد لمشروع اجتماعي يطلق عليه الانفتاح الفكري والثقافي العام، الذي يؤمن بالتنوع الثقافي والفكري المجتمعي التنوعي، حيث تنطلق فكرة هذا المشروع، من عملية تسهيل تداول الكتب، وتبادل الكتب الثقافية المتنوعة والمختلفة، بين أيدي أبناء المجتمع والتخفيف بالقدر الممكن من كاهل المصروفات المالية تجاه شراء الكتاب، وكذلك الترغيب للقراءة وهو الهدف الأساس.
حيث يمكن كل قارئ باستبدال ثلاثة كتب قد مضت معه فترة من الزمن، عش الكتب المبارك يمنحه فرصة ثقافية تجديدية، بثلاثة كتب أخرى لم يطلع عليها مسبقاً ومجاناً، وبهذه الحركة التدويرية الثقافية والعملية والتوفيرية اقتصادياً والمكسبة علمياً هي حركة إنمائية فكرية اجتماعية، بل لو لم تكن تمتلك كتاباً لاستبداله بكتاب آخر، يحق لك كذلك أن تمتلك كتاباً ثقافياً وفق اختيارك ومجاناً وبالعنوان الذي ترغب في قراءته من خلال عش الكتب الثقافي، الذي يرعاه ليلاً ونهاراً المنارة الثقافية الأستاذ حسن آل حمادة، إذن عش الكتب عبارة عن مكتبة فكرية وثقافية متنوعة ومتوفرة في خدمة كل قارئ على مدى الأربع وعشرين ساعة، وهي كالصيدلية الفكرية تجدها مرحبة لكل قارئ أي وقت شاء.
فهذا العش الفكري الذي بناه الأستاذ حسن آل حمادة ونصبه على سور منزله وأباحة لعامة الناس، هو عبارة منارة علمية تضيء الطريق للمارة، وهي بمثابة إماطة الأذى عن الطريق وهي كالصدقة الجارية له ولمن شاركه فيه، وإلى كل من يتبنى مثل هذا المشروع المبارك.
تذكر الكاتبة فوزية القحطاني في حق المعلم، في مقالها المنشور في صحيفة الوطن بعنوان: المعلم منارة تضيء المستقبل: المعلم هو سحابة الخير التي تمطر سراً من أسرار  الحياة، فهو يؤدي دوراً عظيماً وهدفاً نبيلاً في هذه الأمة، وهو يرفع راية ورثها من خير البشر، مهنة الأنبياء والرسل عليهم السلام.
فهذا الدور العظيم والنبيل دور الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين، هو الدور الذي يتبناه ويقوم به المعلم حسن آل حمادة، وكذلك هو أحد أهدافه الثقافية النبيلة، كما يعد مهنته كمعلم في أحد مدارس الثانوية في المنطقة، وأحد المؤلفين حيث بلغ عدد مؤلفاته ١٥ كتاباً، وله كتاب جميل اسمه “أمة اقرأ.. لا تقرأ” وقدم العديد من الدورات الثقافية في مجال القراءة وكتابة المقال، وله مشاركات ثقافية متنوعة في العديد من مدن المملكة الحبيبة وخارجها، وأبرزها في معرض الكتاب الذي أقيم في مدينة الرياض، ومشروعه الثقافي الأخير عش الكتب الذي بزغ نوره في مناسبة عزيزة علينا جميعاً، وهي اليوم الوطني للمملكة الحبيبة، الذي شكل من خلالها منعطفاً ثقافياً جديداً، حيث قصده مختلف الأعمار من الرجال والنساء والصغار وأصبح أحد الروافد الثقافية في منطقتنا الغالية.
عش الكتب أصبح أحد الروافد الثقافية القطيفية، يرعاه أخ وأب حنون ومحب لكل أبناء مجتمعه ولكل إنسان يرغب بالقراءة والعلم والثقافة والتنوير والتطوير، أستاذ حسن آل حمادة شكراً لك وإلى عش الكتب.


error: المحتوي محمي