السباك والنجار واللحام وغيرها من المهن الحرفية لا يعمل بها المواطن، ثم ماذا؟ ثم ينبغي أن نستقدم من خارج البلاد من يعيننا على أدائها، هنا ينبغي أن نضع تساؤلا أجده مُهما وهو: لماذا يرفض السعودي العمل في هذه المهن، الجواب البديهي وبعيدا عن الإنشائيات هو أن الراتب ستنتظره بشغف سلسلة من فواتير الخدمات، كما سينتظره صاحب السكن الباحث عن الإيجار، كما ستنتظره عائلة تبحث عن حدود دنيا من الترفيه بعد أن تتحقق لها الأمور الأساسية، كل ذلك لن يتحقق بديهيا لهذه المهن بالأجور الحالية، فإذن من الطبيعي أن يقابل المواطن هذه المهن بالعزوف لأنه باختصار يبحث عن الحياة الكريمة.
في تصوري أنَّ مفردة «الحياة الكريمة» ينبغي أن تأخذ حيزا مهما من البحث، ذلك أنَّ تحفيز أي مواطن للعمل بوظيفة لا تحقق له ذلك هو بمثابة تحفيز لمواطن للعمل في وظيفة «فقير وبائس» إذن فمن غير المنطقي تماما أن نرمي المواطنين بتهمة رفض العمل، ونرجح عليهم غيرهم دون أن نمنح أنفسنا مقدارا من التفكير في الأسباب الدافعة لذلك، وتفهم النتائج الكارثية لعمل المواطن في هذه المهن، يدفعنا هذا الحديث قسرا للتفكير في العوامل التي يمكن لها أن تجتذب المواطنين لذلك.
هنا أعتقد أنَّ معضلة المواطن الأكبر هي مشكلة السكن الباهظ، وهي التكلفة التي تجعل عدا أصحاب الدخل المرتفع غير قادرين على امتلاك المسكن.
هنا أقول: ماذا لو تم توفير مجمعات لشقق سكنية يتم منحها للحرفيين والفنيين السعوديين نظير امتهانهم لهذه المهن؟ وماذا لو تم منحهم التأمين الطبي اللائق، وماذا لو تم تحفيز الطلب من خلال ضرائب أقل وتكلفة فواتير خدمات أقل؟ وماذا لو قبل ذلك تم احترامهم وتقديرهم دون أن يُسلط عليهم «بابو» أو «كومار» الذين يجتهد بعضهم لإثبات أنَّ المواطن «مو حق شغل»
في تصوري أنَّ توفير مثل هذه المقدمات، هو ما يمكن بديهيا أن يخلق إقبالا على امتهان هذه المهن وقبولا واحتراما لها.
موضوع اجتذاب المواطنين للعمل الحرفي والفني هو موضوع متشعب، في اعتقادي أنَّ توفير الأسباب الاقتصادية التي تجعل المواطن محل طلب هو أولى خطوات التصحيح، فليس من المنطقي أن يكون أجر الأجنبي ألفي ريال، ويُطلب من صاحب العمل ترجيح مواطن بخمسة آلاف ريال عليه، وليس من المنطقي أن تمنح المواطن ألفي ريال كراتب لتعادله بغيره لأنَّ هذا الدخل لا يناسبه.
إذن، معادلة تكلفة المواطن وغيره من جهة، وتوفير أسباب منطقية تجعل المواطن الممتهن لهذه المهن يعيش حياة كريمة، هو ما يمكن أن يكون بادرة لتصحيح هذا الأمر، وبعد ذلك قرارات ملزمة بتوطين نسبة من المهن الفنية، أما الاكتفاء باتهام أصحاب العمل والمواطنين كل من جهته بالتقصير فلن يحل المشكلة بل سيبقيها دائما كما هي.
المصدر: آراء سعودية.