حي “الوقف” من أحياء جزيرة تاروت التاريخية، حي زراعي كان محاطاً بشجر النخيل من كل الجهات اضافة إلى بعض الأشجار المحلية المثمرة.
يقع الحي إلى جوار حي الديرة قلب المنطقة الأثرية في الجزيرة، وإلى الغرب مباشرة من قلعة تاروت التاريخية، وناحية الجنوب الغربي من السوق العام للجزيرة.
وحسب تتبعي لأصل تسمية الحي لم أقف على معلومة حاسمة حول منشأ التسمية، و لا من أطلق عليه هذا الاسم، ولكن يغلب الظن بأن هذه المنطقة الزراعية الشاسعة كانت مملوكة لأحد الوجهاء وقد أوقفها لأوجه الخير، دون تحديد لطبيعة الوقف، وذلك استناداً إلى روايات عديدة يتناقلها كبار السن من أهالي الحي، وقد أورد هذه الحقيقة الوجيه والناشط الاجتماعي المهندس سلمان العرادي (أبو محمود) رئيس نادي الهدى سابقاً، والموظف المتقاعد حالياً من شركة أرامكو السعودية.
بدأ تخطيط حي الوقف من مساحته الزراعية (النخيل) وبيعه قبل سبعين عاماً تقريباً، حيث أقبل أهالي الحي على شراء تلك الأراضي الزراعية من الملاك، وذلك ما بعث فيه روحاً اجتماعية جديدة، حيث كان يبلغ مساحته قبل التخطيط في حدود 30 ألف متر مربع تقريباً، وبعد التخطيط والتمدد أصبح في حدود 130 ألف متر مربع، وكان يسكنه قبل التخطيط ما يقارب 50 عائلة، أما بعد ذلك فقد تضاعف هذا الرقم كثيراً تبعا للزيادة السكانية والتوسع العمراني.
كان حي الوقف قبل عشرين عاماً تقريباً، حياً عادياً لا يدخله ولا يخرج منه إلا من كان ساكنه في غالب الأحيان، حيث لم يكن فيه ما يلفت النظر لزيارته أو المرور في دهاليزه إلا إذا كان لزيارة قريب أو صديق أو قضاء مصلحة شخصية وما شابه ذلك، علماً بأن أهالي الحي يغلب عليهم الطيبة وحسن الخلق والتدين والكرم وحسن الضيافة والتواضع وطيب المعشر، وهذا ما يلمسه كل من عاشر أهالي هذا الحي الطيبين.
أما حالياً فقد تحول حي الوقف إلى أحد أهم الأحياء في جزيرة تاروت، وأصبح مركز إشعاع لإحياء الشعائر الدينية بمختلف أنواعها، وتموج ثقافي وديني، حيث أصبح الحي يحتضن على مدار العام كل المناسبات الدينية بشقيها من الأفراح والأحزان.
أضحى الحي يضم كذلك أغلب المناسبات الاجتماعية بمختلف أنواعها، من مناسبات الزواج أو الفواتح… إلخ، منذ بدء تأسيس المشاريع الإعمارية الحديثة، فضلاً عن إعادة وهدم وبناء المساجد والحسينيات القديمة، وتحويلها إلى بناء حديث وجميل، كحسينية عيف وحسينية العرادي التي قارب عمرها على 40 عاماً، وحسينية الصفوان وحسينية الفردان، ومسجد أبو عزيز ومسجد شيخ ناصر، وبعد ذلك تم إنشاء مسجد جديد بميزات حديثة وتصميم فاخر باسم الإمام المجتبى (ع)، ويقع في وسط حي الوقف، فضلاً عن المجالس العائلية للقراءات الأسبوعية طوال العام.
وزاد من أهمية هذا الحي إنشاء أول قبو بمساحة كبيرة وبتصميم فاخر وحديث، باسم المالك المهندس والوجيه جاسم آل خاتم (أبو محمد) المتقاعد حالياً من شركة أرامكو السعودية، حيث يقع هذا المرفق الخدمي على مشارف حي الوقف، وفي نفس الوقت يشرف على كل الأحياء المجاورة، حيث يسهل على الجميع الوصول له، وقد تكون هذه أهم ميزة لنجاحه، فقد مثّل انفراجة للمنطقة لجهة ضيق الأماكن المخصصة لإحياء مناسباتهم الاجتماعية والدينية، وقد سد حاجة اجتماعية مهمة جداً.
وبعد فترة زمنية تم إنشاء قبو مماثل له داخل الحي نفسه، باسم المالك الوجيه عبد الله آل خاتم (أبو أحمد) المتقاعد حالياً من شركة أرامكو، حيث أضاف هذا القبو فسحة اجتماعية خدمية أخرى، وذلك ما ضاعف من أهمية هذا الحي وزاد من إقبال ورغبة أبناء المجتمع على هذا الحي للسكن أو لأجل أحياء مناسباتهم.
حي الوقف الذي كان عبارة عن غابة من النخيل والهجر الاجتماعي، تحول بفضل الله وفضل سواعد أبنائه الأوفياء إلى واحة حسينية ودينية وسكانية من أرقى الأحياء السكنية في هذا المجال، وإلى مركز خدمي اجتماعي لأبناء المجتمع التاروتي كافة دون تخصيص فئة عن أخرى، وهذا الاستقطاب الاجتماعي المبهر لم يتم من فراغ، بل كان هناك تخطيط من أبنائه الذي أنعم الله عليهم بالعلم والمعرفة والخبرة الحياتية والمال المبارك، والذين سخروا هذه النعم في سبيل الله وفي سبيل مجتمعهم وأبناء وطنهم، وهذا ما يسميه علماء المجتمع بالتفكير الجمعي والسعادة الجمعية، النابع من الحب والود الأخوي والترابط الاجتماعي وكذلك الأصالة الاجتماعية في هذه النخبة الصالحة والمميزة.
علماً أنه كان بإمكان هذه النخبة تأسيس هذه المشاريع في أماكن أخرى، وقد تكون مهيأة أكثر، ولكن أبوا إلا أن يزهروا حيهم ومنطقتهم ومجتمعهم الذي يعتزون ويفخرون به، رغم ما واجهتم من تحديات صعبة لتحويل هذا الحي من صفر حسابي واجتماعي، إلى رقم يصعب تجاوزه اجتماعياً وقيمياً.
إن هذا النموذج الاجتماعي الرائع وهذه النخبة بالخصوص لهي فخر للجميع، وكذلك نموذج للاقتداء والتنافس في أعمال الخير، وفي صناعة المحبة الجمعية والترابط الأخوي الاجتماعي، وبهذا ينطبق عليهم قول الله تعالى في كتابه الكريم في سورة المطففين آية رقم ٢٦: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) صدق الله العلي العظيم.
وهنا أتشرف بتقديم الشكر الجزيل لكل أبناء هذا الحي المميز لما قدموا وما يقدمون لأبناء مجتمعهم، وعلى نحو أخص أشكر هذه النخبة الأصيلة والواعية والمدركة، الذي حولوا هذه الأرض أو هذا الحي إلى حي خصب يؤتي أكله الاجتماعي والديني في كل حين.
وفي الحكمة الجميلة عن الخير وفضله تقول: (ليس الخير في العظمة، بل العظمة في الخير)، فأنتم أيها النخبة الوقفية بالفعل عظماء وترفع لأجلكم القبعات احتراماً وإكراماً.