بعد أربعة أسابيع من التعليم عن بعد.. عُقد اجتماع بين مجموعة من المدرسين للمرحلة الابتدائية لتداول إيجابيات وسلبيات هذه الطريقة الحديثة على مجتمعنا.
وبعد نقاش طويل في الإيجابيات والسلبيات..
قال الأستاذ محمد: كان لدينا أحد الطلاب المتفوقين جدًا وكانت صورته لا تفارق لوحة الشرف. ولكن ومنذ أن بدأنا الدراسة رأيت فيه تغيبًا عن الحصص الأولى.
سأله الأستاذ حسن: من هو.
قال الأستاذ محمد: إنه الطالب (س،ع، ص).
قال الأستاذ حسن: هذا صحيح. فلم أعد أراه في الحصص الأولى. بل لقد لاحظت غيابه في الحصة الأخيرة أيضًا.
سألهم قائد المدرسة: هل تواصلتم مع عائلته؟
أجابه: بصراحة لا.. فعملية التعليم عن بعد مرهقة جدًا.
قائد المدرسة: ليس صحيحًا أن نترك طالبًا يتدهور مستواه الدراسي.. علينا أن نتواصل مع عائلته لمعرفة السبب. فالأيام تتقدم والدروس تزداد. وأخشى أن يصاب هذا الطالب بنكسة دراسية نكون نحن السبب فيها. سوف أتواصل مع عائلته وسوف أحدد موعدًا لمقابلة ولي أمره. وسوف أخبركم بالموعد.
حاول قائد المدرسة الاتصال بولي أمر الطالب عدة مرات. لكن الهاتف مغلق. اتصل بالرقم الآخر. وبعد عدة محاولات ردت الأم: استفسر المدير عن سبب عدم حضور الطالب لمنصة مدرستي مبكرًا. لماذا يتأخر لقد كان طالبًا متفوقًا، ما الذي تغير؟ هل كانت العطلة الطويلة سببًا في ذلك؟ هل ممكن أن يحضر والده غدًا للمدرسة؟
ردت الأم بصوت مخنوق: تباً للفيروس المستجد. لقد سرق منا أجمل ما نملك. لقد سبب لنا التعاسة.
قائد المدرسة: ماذا حدث سيدتي؟
الأم: لقد توفي زوجي بسبب كورنا.. فبعد أن انقطع عن العمل وتوقف راتبه. أصابه الفيروس اللعين. وخطفه منا.
قائد المدرسة: لا حول ولا قوة إلا بالله. عظّم الله أجوركم.
تواصل قائد المدرسة مع الأستاذ محمد والأستاذ حسن وأخبرهما بالقصة.
قام الأستاذان بمهمة دراسة حالة العائلة.
واكتشفا أن الوضع المادي سيئٌ جدًا.
التقى الأستاذ محمد بالطالب (س،ع،ص) وسأله عن حاله.
بقي الطالب صامتًا للحظة، ثم قال: شكرًا لك أستاذ. أنا مستواي الدراسي لم يتغير. وإذا أردت أن تتابع واجباتي وحفظي للقرآن والأناشيد فسوف أسمّع لك. ولكن.
سأله المدرس: ولكن ماذا؟
أجاب الطالب: أنا مع أخي وأختي التي تدرس في المرحلة المتوسطة ليس لدينا إلا جهاز واحد. فماذا نفعل؟
لقد وعدني أبي قبل وفاته بأن يشتري لي جهاز لابتوب. ووعد أختي بهاتف جوال. ولكن الفيروس اللعين سرقه منا.
اغرورقت عينا الأستاذ محمد بالدموع. وبقي صامتاً. وقال: عد الآن إلى منزلك. وستكون أموركم بخير.
تواصل الأستاذ محمد مع الأستاذ حسن وقائد المدرسة وقرروا أن يعقدوا اجتماعًا عامًا لجميع المعلمين في الليلة القادمة.
في الاجتماع تحدث قائد المدرسة قائلًا: التعليم عن بعد حرم بعض الطلاب من متعة الدراسة. نحن لا نعلم ماذا يحدث في بيئة الطالب. ما هي ظروفه؟ التعليم أيها الأخوة ليس مجرد درس تقدمه وتنهي الجلسة وتغادر. دعونا نخلص أكثر في عملنا. وأنتم من خيرة المعلمين. اليوم عرفنا عن حالة أحد الطلاب المتفوقين ولكن الوضع الراهن سبب لهم المشاكل الاقتصادية والتعليمية. هم لا يمتلكون إلا جهازًا واحدًا يتناوبون عليه بين حصة وأخرى. علينا أن نعلن عن حملة مساعدات لهذه العائلة ومتابعة بقية العوائل. لا نعلم كم عدد الطلاب الذين يعانون هذه المشكلة ولكن علينا أن نتحمل بعض المسؤولية ونتابع حالة طلابنا من جميع النواحي.
في اليوم الثاني قدم الاستاذ محمد جهاز لاب توب للطالب (س،ع،ص) وأخبره أن هذا الجهاز هو مكافأة تفوقه في الأعوام السابقة.
شكرًا لأصحاب مبادرة “حاسب لكل طالب” فلا يزال مجتمعنا بخير. هناك ثلة من أبناء الخير والكرم يساهمون في إسعاد الآخرين.
بين فينة وأخرى تخرج في مجتمعنا مبادرات راقية تنم عن تلك الروح وتلك الأخلاقيات الرفيعة، وعن ذلك العطاء منقطع النظير.
ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: “خير الناس من انتفع به الناس”. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): “خير الناس من تحمل مؤونة الناس” (1).
الهوامش:
(1) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج1 – الصفحة 845