الذكر النوراني

ورد عن الإمام الرضا (ع): “من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه، فليكثر من الصلاة على محمد وآل محمد فإنها تهدم الذنوب هدماً” (بحار الأنوار ج ٩١ ص ٢).

في حين غفلة وغلبة شهوة يرتكب العبد الذنب تلو الآخر حتى يثقل ظهره بأحمال لا يقوى على تبعاتها ونتائجها الوخيمة على مستقبله الأخروي، ولن ينجو ويتخلص من آثارها وينقى قلبه من شوائبها إلا من خلال إزالة عوالق المعصية، إذ إن الآثام تظلم النفس وتطمس علائم الخير والصلاح، وتضعف همته عن الطاعة والأنس بذكر الله تعالى بعد أن هام قلبه بالملذات والنزوات، وطريق النجاة هو التمسك بحجزة التوبة النصوح والرجوع إلى الله تعالى وتغليب الإرادة الممانعة لارتكاب الخطايا والاتجاه نحو العوامل الممهدة لمقارفتها، وهناك من الوسائل المساندة ليقظة المرء الروحية المخلصة له من أغلال وإصر المخالفات التي لن يجني منها إلا اسوداد صحيفة أعماله.

ومن أهم عوامل اليقظة الروحية وانفتاح النفس على إشراقة التقوى وترك المحرمات هي الصلاة على محمد (ص) وآله الأطهار (ع)، فإن لها تأثيراً بالغاً في نقاء السريرة ورفع غشاوة الشهوات عن العقل المأسور لها، فالإمام الرضا (ع) يعبر عن ذلك التأثير البالغ بالهدم الذي ينهار بعده جدارية المعاصي، فكيف يمكن لنا تصور تلك العلاقة بين نورانية الصلاة على الطاهرين الطاردة لظلمة الذنوب من القلوب؟

البعض قد لا يتصور المعاني العالية لمضامين الصلاة على محمد (ص) وأهل بيته الطاهرين، فلهج اللسان بهذا الذكر النوراني وانسجام النفس الواعية معه يثمر إشراقة ترسل أشعتها على جوارحه تستنكف معها شيئاً فشيئاً من التلوث بوحل الخطيئة.

وهذا الذكر النوراني له رابطة قرآنية وعقائدية تتصل بمفهوم مودة أهل القربى (ع)، فالشوق يحذو بهذا المبتلى بالذنوب إلى أنس روحه بذكر الطاهرين واستحضار عظمتهم وجميل سيرتهم في قلبه، فتتلقف الرحمة والمغفرة الإلهية هذه الانعطافة من العبد فيتفضل عليه سبحانه بعفوه؛ ليفتح له باباً يخلصه من اليأس والتحطم النفسي والولوج أكثر بخطى في طريق الشيطان والأهواء، فإنه سبحانه يهب عبده فرصة متجددة ليبدأ في تعديل خطاه وسلوكه ونسيان الماضي الأثيم، فتشرق روحه بنورانية الصلوات التي تخلص عقله من التفكير بمقارفة السيئات وطرق الوصول للشهوات، كما تنير قلبه بالاهتداء إلى فعل الصالحات والتعويض عما فاته من خير كثير وأعمال صالحة، وتنير سلوكه بالخلق الحسن والتعامل الجميل مع الآخرين والحفاظ على حقوقهم، فإن الذنوب تلوث القلب بالسيئ من القول والفعل وتدفع صاحبها نحو طريق الشرور والآثام، وما يصحح طريق العبد هو الاتصال بسيرة أولياء الله الصالحين، فيجتهد ويسعى لتحصيل أخلاقياتهم (ع) ونهجهم الصادق.

والخلاصة أن الصلاة على محمد وآله ذكر نوراني لا يقتصر على مجرد النطق بها لسانياً، ولكنها نور يشع في النفس بضياء ما يحمله من مضامين التقوى والخوف من الله تعالى والصبر والثبات في وجه التحديات، ليكون ذلك القلب مفعماً وزاخراً بعطاء الطاهرين والسير على نهجهم.


error: المحتوي محمي