رحيل الفنان سعد العبيد، رحيل العظماء.. رحمك الله يا سعد.
بدأت علاقتي بالفنان سعد العبيد منذ أن وطأت رجلي أرض الرياض في العام ١٤٠٣ للهجرة، حينما التحقت بجامعة الملك سعود، وكنت شغوفاً بالفن ومعرفة كل جديد في عالم الفن، وحينها اهتديت لصالة الفنون للفنان محمد السليم.
حيث قام الفنان السليم بتأسيس دار الفنون السعودية ومن خلال هذه الدار قام بافتتاح صالة الرياض العالمية للفنون التشكيلية.
استثمر السليم هذه الدار من أجل جذب الكفاءات حيث أقيم فيها العديد من المعارض والمسابقات المحلية والعالمية. كما أقام لنفسه العديد من المعارض والتي استطاع عبرها إيصال أفكاره وفنه للناس، وهناك بدأت أتعرف على الفنانين ومن ضمنهم الفنان سعد العبيد -رحمه الله- والفنان عثمان الخزيم الذي كان مرسمه قريباً لتليفزيون الرياض والفنان فهد الربيق الذي يسكن البديعة والفنان عبدالجبار اليحيا -رحمه الله.
ومنذ تلك اللحظة بدأت علاقتي بالفن في الرياض، وإن كانت تسعفني الذاكرة كان الفنان محمد السليم يترأس الفنون التشكيلية في جمعية الثقافة والفنون، وكان يدعونا لزيارته في المنزل، وهناك كان يجلس معنا باستمرار الفنان سعد العبيد، وهو الآخر كان يدعونا لمنزله في كل وقت، حتى تخرجت في الجامعة وكنت على تواصل مستمر مع الفنانين، آخذ أصدقائي من الشرقية لزيارة الرياض، وعادة ما تبدأ الزيارة وتنتهي من منزل الفنان العبيد الذي لا يقبل أبداً أن نزور الرياض دون زيارته، وفي مجلسه المبارك كانت مكتبة لكل جديد في معارض الفنون التشكيلية، ومنذ ذلك اليوم ونحن نتعلم منه الكثير من الصفات الجميلة، الكرم والمحبة للآخرين والتنظيم المتقن للمعارض والتصنيف للأعمال وطريقة الدعوات.
كان يحتوي الجميع بحبه، حتى حول جزءًا من منزله مرسماً وملتقى للفنانين في المملكة، وأصبح هذا المرسم الواجهة الثقافية لزوار الرياض، يستقبل الجميع بفرح.
في العام ٢٠٠٨م تأسس ملتقى تواصل التشكيلي العربي في منزلي المبارك في القطيف وكان سعد العبيد أول الحاضرين للمشاركة، وفي العام ٢٠٠٩م كان الملتقى الثاني وحينها اقترح العبيد تدوير الملتقى بين مناطق المملكة، وبدأ هو بتنفيذ الدعوة من مرسمه في الرياض ثم بدأ بعض الفنانين بتبني الفكرة في حائل والدوادمي والقصيم وكان يجتهد في أن يستمر الملتقى دون تعثر، ويحث الفنانين على إقامة الملتقى كل عام.
وكان لقائي الأخير معه في معرض ذاكرة المكان في قاعة مساحة للفنون في الرياض، وفي هذا المعرض اجتمعنا بحب مع نخبة من رواد الفن التشكيلي في المملكة.
ورحل الفنان سعد العبيد وهو يترك كنزًا من الفنون في مرسمه ومكتبته، رحل كما رحل قبله الرضوي والسليم واليحيا والشيخ وموصلي وغيرهم، ومتحف الفنون لم يكن ليحتوي تلك الأعمال وحفظها للأجيال وللتاريخ، رحلوا والبعض منهم لم يُكرّم بما يستحق من التكريم.