اهتمام آبائنا وأجدادنا بتعليم القرآن قراءة وكتابة، كان له الأثر الطيب على ثقافة تلك الأجيال واهتمامها بالمطالعة والمعرفة واهتمامهم بالقرآن سواء للثقافة أو للأجر في الدنيا أو للثواب في الآخرة له توابع مهمة ومفيدة للبشرية.
وحتى في أحلك الظروف السياسية والاقتصادية دأب مجتمع البحرين التاريخية القطيف والأحساء والبحرين من مئات السنين في المدارس الشعبية؛ وهي منتشرة بكثرة إما في المساجد أو الحسينيات ويعرف المكان (المعلم) أو (المكتب) وأغلبها خاصة أي بالأجر، سواء للأولاد أو البنات والأغلب في البيوت ومختلطة، ولم تكن تجربتي ضمن المختلط. ويقوم المعلم أو المعلمة بتدريس القرآن ويتم الاهتمام بالجدد أو ذوي المراحل المتقدمة كختم القرآن، أما الباقي فيعتمد المعلم على طلابه حيث السابق يعلم اللاحق كمن ختم جزء عم الثلاثين يعلم زملائه في هذا الجزء التاسع والعشرين وهكذا.
ويتدرج الطالب بعد القراءة للكتابة والحساب وحفظ أبيات الشعر وخاصة عن أهل البيت وبالخصوص موقعة الطف في كربلاء لكثرة الدواوين والمجالس!
وقد يتوقف الطالب عند ختم القرآن أو أحد الأجزاء حسب الإمكانيات المادية، وهذه المدارس أهلية ليس للدولة وخاصة الحقبة العثمانية شأن فيها.
ودامت المدارس بأنواعها (الكتاتيب) وأشكالها حتى في أصعب الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية لمعرفة أهالينا أن من يقرأ القرآن يحصل على حرفة وهي من الأعمال النظيفة كالقراءة في الفواتح والتعزية.
أو كالكتابة في المحلات التجارية وكتابة المعاريض والرسائل والوصايا وغيرها بمسمى (كيتبي).
أما بعد افتتاح المدارس الرسمية، ولتعدد المناهج فقد أصبح القرآن واحدًا من مجموعة كثيرة من الكتب المدرسية، فتقلصت المدارس الشعبية التي تعتمد في كل جوانبها حول القرآن قراءة وكتابة منه وكان الحساب والنحو وغيره أمورًا ثانوية لمن أراد أن يستزيد أو يكون خطيبًا أو يندرج في صفوف المشايخ بالارتباط بالحوزات المحلية أو الخارجية كجامعة النجف أو قم.
تجربتي الخاصة:
لست في وارد ذكر أهمية القرآن وفوائده فذلك له مختصون وعلماء أكفاء عددوا ذلك وأسهبوا، إنما أنا أذكر فقط تجربة شخصية مررت بها، ولن يكون ذلك للمباهاة بل قد يكون للقدوة أن حصلت على ما حصلت عليه، فأشكر الله وأحمده على ذلك.
لم تكن العطية الإلهية من إجادتي لقراءة القرآن فقط في سن مبكر قبل عمر عشر سنوات بل يتبعها أمور منها:
حصلت على إجادة القراءة كاملة في الكتب وغيرها من الصف الثالث الابتدائي.
الثقة بالنفس للقراءة لطفل أمام الكبار.
حسن الصوت والقراءة الصحيحة حذا بمعلم مادة الدين أن طلب مني القراءة في طابور المدرسة وعمري عشر سنوات قبل وجود كهرباء في مدرسة تاروت الابتدائية أو ما تعرف بمدرسة الغالي.
استطعت لقاء الجمهور الصعب في ذلك الوقت ولأني أهاب الوقوف أمام الناس، مع قلة التشجيع والغيرة ممن هم في سني والتعليقات المهينة.
بما أني أجيد القراءة الصحيحة في القرآن مما شجعني على الترتيل وتحسين الصوت بتقليد القراء المشهورين كالمرحوم الشيخ عبدالباسط عبدالصمد.
إجادة الكتابة الإملائية بمهارة حتى كان الوالد يمليني أن أكتب رسائله إلى أصحابه المسافرين.
من مردود إجادة القراءة والكتابة حسن الخط الجميل والدرجة الكاملة 20 من 20.
بما أني أجيد القراءة والكتابة والخط فكان الترتيب الأول أو من الأوائل في بداية الدراسة الابتدائية.
على ذلك هناك لغيري تجارب كثيرة أعرفها حصلوا على ما ذكرت وأكثر من ذلك حتى وصلوا لمصاف كبار العلماء بدأوا بقراءة (ب س م) أي البداية (بسم الله الرحمن الرحيم).
وأهم مكان هو مجلس الجد المرحوم عيسى المصلي وخاصة في رمضان هو بحق مدرسة يحتذى بها حيث هو المعلم الأول في القرآن وتعليم الصلاة وبعض الأحكام الفقهية.
ولأن الوالد المرحوم إبراهيم المصلي من القراء المجيدين في القرآن وسيرة أهل البيت في المحافل المحلية، كان الدافع القوي وكان يقرأ لبعض الخطباء وله تسجيل قبل 50 سنة عند الخطيب الملا أحمد أوحيد.
ولا أنسى الملا حسن المغيزل الذي يمر على كثير من المنازل لتعليم القراءة الصحيحة للرجال والنساء.