استرجع العلامة الشيخ مهدي العوازم، سيرة الفقيه الراحل آية الله الشيخ ناصر بن محمد الجارودي، أحد رموز منطقة القطيف العلمية، بعد أن مضى على رحيله قرابة الثلاثة قرون، مستذكرًا تاريخ ولادته ووفاته وجزءًا من حياته وعلمه ومؤلفاته، وذلك في الحلقة الخامسة من البرنامج الذي يعده ويقدمه المدرب محمد الخنيزي تحت عنوان “قل كيف عاش”، ويسلط الضوء على رموز منطقة القطيف العلمية والثقافية والاجتماعية.
ولادته
بيَّن الشيخ “العوازم” من خلال تحقيقه وتتبعه، أن العلامة الراحل الجارودي لم يذكر في الكتب التي تم البحث بها ولا في ترجمته الشخصية سنة ميلاده، إلا أنه من خلال قراءته لإجابة الشيخ العلامة سليمان المحاوزي عن أسئلة طرحها الشيخ الجارودي عليه في عام ١١١٥هـ، وجد في رده على الشيخ ناصر عبارة “سألني الشيخ الأجل الفاخر المخصوص بالمفاخر”، وهذا يدل على أن الشيخ في وقت طرح هذه العبارة لم يكن حينها شابًا صغير العمر، ويقدر عمره بـ ٢٠- ٢٥ سنة، فقد تكون سنة مولده عام ١٠٩٠ – ١٠٩٥ على نحو التقريب.
حياته
عاش الشيخ ناصر تحت ظل والد فقير المعاش ويشتغل بالفلاحة، وعندما قرر الشيخ ناصر أن يتجه إلى طلب العلم لم يقبل والده بذلك، حيث كان يحتاجه للعمل معه وكان يكلفه بقص وتجهيز أعلاف الحيوانات، إلا أن الشيخ ناصر كان يؤدي وظيفته التي أملاها عليه والده بسرعة ثم يذهب للدرس بدون علم والده، وما إن عرف والده بذلك حتى رفض توجهه للدراسة بذريعة عدم تحمل مؤونته، بعدها تكفل بالشيخ بعض أهل الخير بتعويض الأب بعامل يقضي أعمال ابنه التي يكلفه إياها، أو بالمال، أو بالتكفل بمؤونة الشيخ ناصر بكل ما يحتاج من مصاريف، عندها سمح والده بأن يترك اشتغال ابنه ويفرغه للدراسة.
دراسته في القطيف
ذكر الشيخ “العوازم” أن الشيخ ناصر درس في القطيف على أيدي فضلائها، لكن التاريخ لم يذكر أسماء أساتذته في القطيف، ثم واصل دراسته العلمية في البحرين عند الشيخ سليمان الماحوزي، وهو أحد فطاحل علماء البحرين، والشيخ أحمد آل عصفور، والشيخ عبد الله السماهيجي، كما درس في مدرسة بوري ومدرسة القدم، وقد كتب فيه أستاذه الشيخ السماهيجي إجازة.
وفي عام ١١٢٥هـ، وقعت أحداث دامية في البحرين فخرج منها وعاد للقطيف وفيها واصل طلب العلم عند الشيخ أحمد بن إبراهيم آل عصفور مدة إقامته في القطيف، خصوصًا في الفقه، كما نقل ذلك صاحب تاريخ البحرين، وهكذا واصل الدرب محصلًا ومؤلفًا ومحققًا ومعلمًا.
حياته الاجتماعية
في القطيف كان سماحته يلبي احتياجات الناس ويؤمهم، وأبرز ما يذكره المحققون له هي قضية أوردها الشيخ علي البلادي في كتاب “أنوار البدرين”، حدثت مع والي القطيف، وهي أن والي القطيف في ذلك الوقت كان يمتلك بستانًا بجانب المقبرة وأراد أن ينهب المقبرة ويدخلها في بستانه، إلا أن الشيخ ناصر اتخذ موقفًا تجاه هذا الفعل وذهب إلى الوالي وحذره ووعظه، لكنه لم يستجب له، عندها عزم الشيخ ناصر على التوجه نحو البادية، وكانت القطيف والأحساء حينئذ تحت سلطة حكام من أهل البادية، فاتجه الشيخ ناصر للحديث مع الحاكم الذي نصبه وطلب منه أن يكتب رسالة للوالي حتى يمتنع عن نهب المقبرة، حتى اجتمع به وأخبره بما جاء إليه.
فلما حضر وقت الغداء قام من عنده إلى رحله فدعاه إلى الغداء فامتنع امتناعًا شديدًا واعتذر إليه ببعض الأعذار وكانت له دوخلة “وهي إناء من خوص” فيها تمر، فأكل منه فأضمر له ذلك الحاكم سوءًا ثم اختبره ببعض العطايا والإقطاعات فلم يقبل قليلًا ولا كثيرًا فوجده صادقًا زاهدًا، فأجابه إلى ما طلب وكتب إلى عامله ينهاه عن التعرض لتلك الأرض ويأمره بالإحسان للشيخ، ونقل أنه لما توفي الشيخ ناصر رحمه الله، قام الوالي بنهب المقبرة وعمرها وغرسها في يومها وهي الآن خراب لا يقبر فيها أحد وكانت عاقبة ذلك الحاكم أن قتل أشر قتلة وغصبت جميع أملاكه، فهي إلى الآن مغصوبة.
تلامذته
تتلمذ على يديه جملة من العلماء منهم سماحة الشيخ حسين البارباري، والشيخ حسين بن عبد العباس القطيفي، والشيخ يحيى البحراني العوامي، والشيخ حسين عبد الجبار القطيفي.
مؤلفاته
للشيخ المتوفى سنة ١١٦٤هـ والمدفون في بهبهان، عدة مؤلفات منها؛ كتاب أخلاقي أسماه “بشرى المذنبين”، وكتاب “أخلاق ناصر” عنونه الشيخ آغا بزرگ الطهراني، ورسالة في الكبائر، وكتاب “ترتيب مسائل علي ابن جعفر” وهو مازال مخطوطًا لم يطبع.
عقب الشيخ
شملت ذرية الشيخ عدة من الفضلاء العلماء، وقد ذكر في نسب الملا سليم الجارودي: “هو الحاج سليم بن قاسم بن أحمد بن الشيخ مدن بن الشيخ حسن بن الشيخ عبد الله بن الشيخ سعيد بن الشيخ ناصر بن محمد الجارودي”.