يحكى أن المهدي العباسي خرج للصيد برفقة وزيره علي بن سليمان والشاعر أبو دلامة. وعندما صوبوا سهامهم نحو قطيع غزلان أصاب سهمُ المهدي ظبيًا فقتله، بينما أصاب سهم وزيره أحد كلاب الصيد فابتسم المهدي والتفت إلى أبي دلامة وكأنه يطلب توثيق اللحظة فقال أبو دلامة:
قَد رَمَى المَهديُّ ظَبياً ٠٠٠ شَكَّ بالسَّهم فؤادَه
وَعَلِيُّ بنُ سُلَيمَان ٠٠٠ رَمَى كَلباً فَصَادَه
فَهَنِيئاً لَهُمَا كُلُّ ٠٠٠ امرِئٍ يأكُلُ زادَه
وفي قصصنا الشعبية أن زوجة لم تتقن إعداد الخبز لزوجها منذ زواجها حتى أصبحت أماً، فأخذ الأب على عاتقه مهمة إعداد الخبز. وعندما أرادت الزوجة أن تعد الخبز ذات ليلة قدمته لهم محروقاً، فنام الأطفال والزوج دون عشاء. فقال زوجها المثل المتداول “خبز خبزتيه يالرفلة كليه”. والرفلة تعني التي تجر ثيابها وتتبختر في زينتها ومشيتها.
شعر أبي دلامة ومثلنا الشعبي وغيرها من المقولات صحيحة في الظبي والخبز وما يؤكل من الزاد، لكن ما يقدمه البيت والمجتمع لمن تحت أيديهم ويتأثر بهم من طعام العادات والقيم والأفكار والمعتقدات، أشد ثباتًا وحضورًا من الأكل المادي، ولا يمكن الفرار أو التنصل من تناوله والتأثر به، فيصدق هذه الموروثات وإن كذبت!
فهل هناك دليل أعظم من الزمن الذي نحن فيه، زمن الانفتاح والمعرفة اللامحدودة، ومع ذلك يتخندق الناس ويحتمون في ظل معتقداتهم وموروثاتهم الشعبية عمن يغايرهم، دون أن يجربوا أي زادٍ آخر، يصنعونه لأنفسهم بالكيفية التي يرونها مناسبة؟
نبدأ باكرا في طفولتنا بتناول هذه الوجبات الفكرية التي يعطينا إياها من حولنا ومن سبقونا، وعندما نكبر يتكلس العداء مع أي زاد جديد يختلف طعمه عما تعودنا عليه. وخصوصًا عن غيرنا من البشر، فتصبح الأفكار أعتى وأمنع وأشد صلابة ومقاومة لأي تغيير.
ولكي نبدأ بفهم وتقييم ما بناه فينا غيرنا لابد أن نعرفَ مصدر ومكونات البناء التي تشكلت من خلاله أفكارنا ومعارفنا. فإن كان صالحًا قوّيناه، وإن لم يكن أقلها لا ندعمه ونبني فوقه أدوارًا يسكن فيها أولادنا وأحفادنا.