السيد الخباز بين المتشددين.. وآخرين (2)

على خلاف ردة فعل المتشددين على السيد الخباز وذلك حينما قبِل مداخلة عبّرت عن عدم انسجام “حتى العبيد يتمنون نصرتك…”وأهداف النهضة الحسينية، والتي ذكرت في الحلقة الأولى، يحسن التنويه بمقال الأستاذ محمد الشافعي (قرأته على إحدى صفحات فيسبوك) حول محاضرة السيد منير الخباز حول مفهوم دولة الأمة والدولة الحديثة.  وقد أثارت المحاضرة من جهة ومقال الأستاذ نقاشات ارتقت لمستوى الموضوع وأهميته كمقالة الأستاذ أحمد آل بزرون. وبالرغم من إسهاب السيد الخباز في إعادة الكثير من هذه المحاضرة في الجلسة الحوارية، استمر النقاش حول المحاضرة والمقالات المتعلقة.

فقد صدّر الأستاذ الشافعي مقاله بحكمه أن المحاضرة تنطوي على “طرح متعجل”.  ولعله لم يرتح أيضا لتأخر الأستاذ محمد ال جليح في الرد حيث إن مقالة الأخير لم تأت إلا بعد الجلسة الحوارية، وكأن النزال الفكري هو مع محمد آل جليح وليس مع ما طرحه السيد الخباز. ولكن حُسب للمقال أنه (أجبر) السيد الخباز على التوضيح، على غرار طلب أحد التلاميذ إعادة الشرح من الأستاذ بغض النظر عن التفات التلميذ وقدرته على التركيز أو أنه ضعف في الطرح/الشرح.

الأولى بالمقال – وعلى غرار استقرائه للنوايا حينما قرر أن الدافع وراء التنظير المختزل هو عقد المقارنات – أن يتهم الخباز بأنه لم يقدم “أطروحة” أصلا لا مختزلة ولا مطولة.  فبذلك يحقق الهدف من تسجيل اسمه في قائمة المنتقدين التنويريين بدون أن يكلف نفسه استعراض معلومات لا تمت بصلة للب المحاضرة وإن كانت ذات صلة بالموضوع.  ويكون بذلك استخدم التوصيف الدقيق ووظّفه ليظهر كسمة سلبية ينجز من خلاله الهدف من إظهار خلل وتهافت في محاضرات الخباز – حتى وإن لم يكن الهدف من المحاضرة أصلا تكوين الانتصار لرأي معين عبر (أطروحة) يتبناها السيد الخباز.  هذا إذا اعتبرنا المعنى الأكاديمي للفظة “أطروحة”.

ويرد في المقال أنه قد تفاجأ بهذا الطرح المتعجل والواقع أن المفاجئة تقع على قارئ المقال نفسه ليعيد تقويمه لذاكرته أو قدرته على الفهم ويعاود الاستماع للمحاضرة وقراءتها أيضا – وهي من حسنات مقال الأستاذ- إذ لم يشر السيد الخباز لا من قريب ولا من بعيد لمقارنات (ترجيحية) لأي نموذج، هذا إذا صح لنا أصلا أن نسمي أيا من العنوانين بنموذج.  بل وعلى العكس، قد استأنس السيد الخباز بكثير من مفردات الدولة المدنية حينما تتجلى في دولة الأمة مما قد يجعل بعض (المتشددين) أن يحسبها على أنه تسويق للدولة المدنية وأن ذلك الاحتفاء بمثابة شهادة لمفردات الدولة المدنية.  ولعل هذا قد يكون الاقتراح الثاني للمقال إن أراد أن يقدم نقدا “موضوعيا” – حسب وصف الكشميري والذي ذيل مقالته المحتوية على سلسلة من التعريفات بالسؤال عن الثمرة والحكمة من إثارة هذه المواضيع!  بالمناسبة قام أحد المتحمسين للمقال بوصف السيد الكشميري كمؤيد له “بالمنظر البارز”، وأظن أنه كان يقصد تشومسكي.

طبعا جاء السيد الخباز وأعاد ما قال في المحاضرة (والشكر موصول للمقال) والتي كانت سردية بامتياز. فلا يوجد بها أي اشتغال استدلالي لنَسِمُها بالتنظير أو بأنها أطروحة.  وإنما سردت وبشكل كرورنولوجي مبسط تطور الأفكار حيال الدولة المدنية بما يتسع له وقت المحاضرة وإلا فكيف لفترة ثلث ساعة أن تفي كل مفاصل ونقاط التحول في تطور الدولة المدنية؟!  وليس أبسط من أن يدل الخباز مستمعيه على الكتاب الذي استل منه عناوين المحاضرة فيما يخص الدولة المدنية.  ولو تعرض الخباز لصلح ويستفاليا (حسب اقتراح الشافعي) وأهمل ما سبقه أو ما تلاه من محطات التطور في الدولة المدنية فيظل الاحتمال قائماً لمن سيأتي ليسمها بالنقص لأنها لم تتعرض لمنعطف ما آخر، كنظرية أو اتفاق أو مؤتمر.

أما أن يحتفي السيد الخباز بمناقبية الرسول الأعظم أو الإمام علي في ممارساتهما لدور الحاكم فلا أدري كيف يكون ذلك أصلا مدعاة للاستغراب أو التوقف وكأن الخباز يلقي محاضرته وهو يرتدي بولو شيرت!  وكل هذا الاحتفاء لم يرتكز على سحب او تعميم كما قرر المقال إلا لمن افترض ذلك  فأصابه (الإرباك) حسب تعبيره.

أما عن زج اسم السيد الخباز في (بعض المنابر – حاله حال غيره) فمن الانصاف أن يعطى هذا المنبر حقه لكيلا نلجأ لقول المتنبي: وما انتفاع أخ الدنيا بناظره إذا استوت عنده الأنوار والظلم. ولكن هذا الاعتبار شجع الأستاذ الشافعي ليقرر أنه ليس بصدد (نقد شامل)! لا أظن أن السيد الخباز في حال قرأ المقال ليعبأ بهذا التهديد المبطن في حال تم (النقد الشامل) ولكنه وبالتأكيد سوف يزعجه إلصاق تهمة الإسلام السياسي بما يطرحه وهو البعيد كل البعد عن هذه الأطر أو النكهات السياسية لحد أنه تعرض لهجمات شرسة تسمه بانه “بدون مشروع” متغافلة هذا النتاج الثقافي والعمل الدؤوب في نشر ثقافة تمتاز بالأصالة والانفتاح على المستجدات الفكرية حاملا على كاهله كل ما قد يساعد الشباب حيال التحديات الفكرية الحديثة.  هذا الزج بالمصطلح والذي تكرر على صفحة الفيس بوك للأستاذ الشافعي يسترعي التفات أخلاقي ومناقبي أكثر من أي نقاش قد نصيب وقد نخطئ في التماس مفرداته.

معظم ما ذكره المقال تحت عنوان “ثانيا” يرتكز على تأويلات غريبة ليس لها علاقة بالمحاضرة وكأنها فك لرموز وشفرات غرسها السيد الخباز أو واراها عمدا!  فمرة يذكر لفظة “الاعتراف” ومرة يقول إنها “إشارة واضحة” وكأن المحاضرة تصريح صحفي أو مقالة أدبية أو متن قديم يقوم دان براون بتفكيكه.  المحاضرة أوضح وأبسط من هذه التأويلات وإلا فقدت هدفها التعليمي و المناسب للشريحة الاكبر من المستمعين.  إلا إذا خلط المقال  بين الدولة في زمن الحضور والدولة في زمن الغيبة حيث وظف “ليظهره على الدين كله” وكأنه بيان ختامي لمؤتمر.

أما عن ربط هذه المحاضرة بمحاضرة السيد الخباز في 1436ه‍‍ فهو برسم تصرف صاحب المقال نفسه.  إذ كان السيد الخباز أكثر وضوحا (أي في  محاضرة 1436 ه‍‍)  بل وكرر ذلك في المحاضرة نفسها وفي جلسات الحوار أنه لا يتبنى ولا يرجح أي نموذج من نماذج أنظمة الحكم والدولة التي ناقشها الفقهاء.  أسهب الأستاذ محمد آل جليح في توضيح (الواضح) وأعاد شرح ما ذكر في محاضرة ١٤٣٦ه‍‍ لعله يضيء على هذا الخلل في الربط بالرغم من أنه أدين أن ما ذكره في مقالته مأخوذ من شرح السيد الخباز أثناء الحوار.  وكنت لأقترح على الأستاذ آل جليح ألا يتعب نفسه إذ أن النقطة الثالثة تضمنت الجملة الأهم في المقالة حينما قال صاحب المقال إنه “لا يعلم ماهي دولة الأمة التي يتحدث عنها… “.  والأغرب أنه بنى على “لا أعلم” نتيجة أن “السيد الخباز عقد المقارنة لغرض تفضيل الصورة المعيارية”.  أعان الله علماء المنطق.


error: المحتوي محمي