أهداني قريب للمرحوم الشيخ العلامة عبد الله بن معتوق كتابًا عنوانه “شذرات من حياة وشعر العلامة ابن معتوق” مطبوع سنة ١٤٣١ هجرية، وفيه جهد الشيخين المرحومين، الشيخ فرج آل عمران والشيخ علي المرهون في جمع ما توافر لديهما عن حياة الشيخ وإجازاته العلمية وبعض مكاتباته وما حُفظ من أشعاره وتراثه. وفي الكتاب ما يدل على فضله وعلمه ما سطره في حقه علماء عصره من إجازات اجتهاد؛ خمس إجازات اجتهاد مطولة ذكروا فيها مآثره وغزارةَ علمه. وقد ترجم له أستاذه المرحوم الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي البحراني المتوفى سنة ١٣٤٠ هجرية في كتابه أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين ترجمةً قصيرة في كلماتها ورفيعةً في معانيها ما جاء نصه:
“(فمنهم رضي الله عنهم) العالم الفاضل التقي الصدوق الأواه الشيخ عبد الله ابن المرحوم الخير معتوق التاروتي كان سلمه الله تعالى من العلماء الأتقياء الورعين الأزكياء زاهدًا عابدًا تقيًا ذكيًا قرأ رحمه الله تعالى في القطيف عند الفقير لله صاحب الكتاب كثيرًا في النحو والصرف وبعضًا عند شيخنا العلامة، ثم سافر إلى النجف الأشرف للاشتغال في العلوم وبقي فيها مدة من الزمان وفي كربلاء بعض الأحيان ثم استقل في كربلاء المعلى وهو من العلوم ملآن إلى هذه الآن له بعض التصانيف سماعًا من الغير لا أحفظ أسماءها ومن جملتها رسالة في الشك اسمها (سفينة المساكين) وإلا فهو حرسه الله تعالى كثير المكاتبة والمراسلة لنا كل آن وقد أجازه كثير من علماء النجف الأشرف وغيرها من العرب والعجم أدام الله توفيقه وسلامته وأفاض عليه إمداده ورعايته”.
من الجائز جدًّا أن يدخل زائرٌ مقبرةَ جزيرة تاروت دون أن يعلم بوجود قبر لهذا العلامة الذي قلَّ نظيره، فليس هناك ما يدل عليه سوى لوحة صغيرة، فوق مستطيل إسمنتي، بالكاد تلحظ فيها الاسم وتاريخ الوفاة، فهو ومن برز في عصره في منطقة القطيف من الشخصيات العلمية قلما ذكروا وأشيرَ إليهم بصورةٍ مستفيضة أو في مناسباتٍ دورية!
فليس فقط قبر الشيخ بل حتى آثاره وكتاباته وأشعاره نسيت، فلا تسمع من أشعارهِ الثمينة والرقيقة إلا شيئًا من هنا وشيئًا من هناك دون أن يَعرف السامع أن من قالَ هذا الشعر ونظمه هو عَلَمٌ ساكنٌ بيننا، وليس من أدباء العراق أو البحرين، مع أن أدب الشيخ يفوق براعةً وجمالًا كثيرًا مما يقرأه الخطباءُ في أيامِ عاشوراء وغيرها من المناسبات. كيف لا؟ وهو من يقول في خروجِ الإمام الحسين (ع) نحو العراق:
سرى والعراق له مقصدُ
وداعي الفراق له يرصدُ
سرى سبطُ أحمد من طيبة
وقد طابَ فيها له المحتدُ
لكن ألسِنةَ وآذان سكان منطقة القطيف اعتادت ترديد وسماع – فقط – ما قاله الشاعر الشيخ الدمستاني مع جماله أيضًا:
ضمني عندك يا جداه في هذا الضريح
علني يا جد من بلوى زماني أستريح
ضاق بي يا جد من فرطِ الأسى كلُّ فسيح
فعسى طود الأسى يندك بين الدكتين
الشيخ ابن معتوق الذي توفي ليلة الخميس غرة شهر جمادى الأولى من السنة الثانية والستين والثلاثمائة وألف هجرية مضى تقريبًا كل معاصريه فليس إلا ما كُتب عنه، ويبقى واجبًا على المجتمع تخليد ذكراه في الأماكن – التي بالإمكان – أن تسمى باسمه، وقراءة أشعاره، والإشارة الواضحة إلى مدفنه وتذكير الأجيال الحاضرة بهذا العَلم، وبغيره من أعلام الماضي والحاضر والمستقبل.
فإن كان لنا من عذر في ضياع كثيرٍ من تراث الشيخ بن معتوق رحمه الله فهو كونه عاشَ وماتَ في فترة لم يكن التدوين والتوثيق فيها من أسهل الأمور كما الآن، لكنه من غير الجائز أن يفوتَ تذكره وحفظ تراثه ومآثره، هو وغيره من الرجال الأفذاذ السابقين والمعاصرين.
ولعله يأتي يومٌ نرى فيه من يذكر سيرةَ هذا الشيخ وغيره من الكنوز العلمية لشباب المجتمع القطيفي الذين لا يعتمدون القراءة وسيلة للمعرفة ويشرح كيف استطاع أن يسافرَ ويشقى ويجهد في طلبِ العلم ويكون له مقلدون في عصورٍ لم يكن السفر فيها سهلًا، ولا الظروف الاقتصادية أو السياسية كانت تسمح له ولأمثاله بمثل هذا النبوغ والعزيمة، فيكون هذا دافعًا وملهمًا لمن أرادَ أن يحذو حذوه أن يعرفَ مصاعب الطريق ومتاعبه وفوائده ومنافعه.
رجلٌ من القلائل الذين خلدهم التاريخ، حمل مشاعلَ العلم، وبذل كلَّ حياته في محاربة الجهل وإنارة الطريق لمجتمعه ومن وصل إليه نور مشاعله، فله من اللهِ الرحمة والرضوان، ومن أبناء مجتمعه إبقاء ذكره وتعريف الأجيال به.