إنَّ أكثرَ ما يسعد كلَّ علاقة إنسانية هو الانسجام والإخلاص والتعاون، فوجود هذه العناصر يسعدها ويطيلها، وغيابها يشقيها ويقصرها ويطوي مسافاتها ثم تنهدم. ونظن أن عقولنا – نحن البشر – وقلوبنا هي الأقدر على تكوين هذه العلاقات السعيدة، إلا أننا نظن باطلًا، فغيرنا من المخلوقات غير العاقلة تحافظ على العلاقةِ الزوجية وتغذيها بالحبِّ والإخلاص فتدوم أكثرَ مما تدوم علاقاتُ كثيرٍ من البشر!
طائرُ القطرس يشبه الرجالَ كثيرًا في القوةِ والحرية والتوق للترحال منفردًا آلافَ الأميال، لكن النساء تحبه لأنه وفيٌّ لأنثاه ويكتفي بزوجةٍ واحدة يخلص لها طوال عمره الذي قد يمتد ستينَ عامًا. خصلةٌ يتعلمها في مدةٍ طويلة قد تصل عشر سنوات قبل النضج والتفكير في الاقتران حيث في هذه المدة يجلس الطيرُ الصغير ويتعلم من الكبار طقوسَ التزاوج حتى يتقنها قبل أن يشاركَ فيها. ثم بعد ذلك يستعرض مهاراته مع العديد من الزوجاتِ المحتملات، قبل أن يصلَ إلى قناعة باختيار شريكةٍ واحدة تعيش معه باقي حياته.
تبدأ علاقةُ طائر القطرس بالتعرف الجيد والمدروس على شريكته المحتملة في مبارزةٍ يتم في نهايتها تحديد الأجدر والأكثر استحقاقاً للزواج، وقد يطول أمر الاختيار لسنتين. وإذا تم الاختيار تفانى كلٌّ شريك لشريكه واعتمد عليه بشكلٍ رائع، وبالتالي يدوم زواجهما عشراتِ السنين. فليست الأنثى، بل الذكر هو الذي يقوم ببناء العش، وتزيينه بالعصي والأشياء ذات الألوان الزاهية في محاولة منه لجذب رفيقته له.
وإذا استقرت حياتهما تضع أنثى القطرس بيضةً واحدة وتستمر برعايتها هي وزوجها طوال فترة الحضانة، فالذكر لا يترك الأنثى تتحمل أعباءَ الحياةِ منفردة، بل كلاهما يتناوبان احتضان البيضة التي تضعها الأنثى واحدةً كل سنة لمدة من شهرين إلى ثلاثةِ أشهر، وبعد ذلك يتناوبان حمايةَ وتنظيف الصغير حتى يكون له القدرة على الطيران. وفي حال الترحال وبقاء الأم مع فراخها لا يفكر الطائر في التزاوج مرةً أخرى، ويعود إلى أنثاه وفراخه على الرغم من المدةِ الطويلة التي يقضيها بعيدًا عنهم.
فعلًا، ما يحتاجه الإنسان هو نضج القرار، ثم حسن الاختيار والإخلاص في الشراكة والتعاون المتسم بالعدالةِ والرحمة. وكل ذلك يشكل عناصرَ الحب، القلبي والعقلي، الذي به يدوم الزواجُ السعيد دوامَ الحياة. وفي هذا تستطيع البيئةُ الحاضنة أن تعطي دروسًا للناشئين المقبلين على مشاريعِ الحب والزواج، وتقلل من مخاطرِ الافتراق والتفكك الأسري بين أفرادها.