جيء لنا بحفيدة أسميناها “فاطمة” في الثامن والعشرين من آب/ أغسطس ٢٠٢٠م، الموافق ليوم التاسع من شهر محرم ١٤٤٢ هجرية، أي قبلَ ثلاثة أيام، فها هي تكبر يومًا بعد يوم. وفي اختلاط المشاعر بين آلامِ الحسين (ع) المجموعة وألم أمها المفرد تأكدت أنَّ في الحياةِ آلامًا جميلة، وهي التي تلد الإنسانَ والبناءَ والتقدم والحضارة.
وهكذا صنفتُ آلامَ الحسين (ع) من أعظم الآلام التي أثمرت فيها الحياةُ وأنجبت مواليدها. أليس هو الذي قال بفعله إن كانت مهمتي في الموت تلد حياةً للدين فلا بأس بها من موتة؟ ولادة ترك لنا وليدها الذي يستحق الحمايةَ والرعاية ليكبر على أيدينا يومًا بعد يوم، ولا يموت. آلام الحسين (ع) شابهت آلامَ المبضع في يد الجراح المبدع الذي اقتطع من جسمِ الإنسانية ما نبت فيه من زوائد وأورام ليست منه، فأزالها وعاد الجسمُ سليمًا معافى، فكأنَّ الشاعرَ عناه حين قال:
تركتُ الخلقَ طرَّاً في هواكَا
وأيتمتُ العيالَ لكي أراكَا
فلو قطَّعتني في الحبِّ إربًا
لما مال الفؤادُ إلى سواكَا
كل مشاريعنا وإنجازاتنا في الحياة ليست دون ثمن ومعاناة، فليس من شيء صافٍ من المشقة والتعب، ثم بعدها يلد الألمُ النصرَ والفوز. هكذا هو من يزرع الأرضَ ومن يدرس ومن يعمل ومن يبدع، يزيده الألمُ عزيمةً وطاقة، إذ البكاء وحده لا يجدي ولا يجلب الراحة. لكن يستحيل الألمُ الجميل قبيحاً بشعاً خالياً من الجمال حين يدفعنا للهروب بعيداً عن آمالنا المحقة ويكشف عورة الخور والضعف فينا. ولهذا عجز الألمُ أن يدفع الحسين (ع) لكي يجهض ويقتل ما كان يحمله في رحمِ عقله وقلبه من مواليدِ العطاء والهداية والعزيمة.
وكأنما هذا النوع من الألم المثمر سرى أيضاً في قلب وعقل أخت الحسين زينب (ع)، فإذا هي التي تقول له: هذا جوادك مسرجًا، امتطه واذهب لتقاتل وتستشهد. وهي التي سألها أحدهم: كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ الله بِأَخِيكِ وَأَهْلِ بَيْتِكِ؟ فقالت: مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلاً! وسرى هذا النوع من الألم في جوارحِ أنصاره فقالوا له: أنحن نخلي عنك؟ فإذا هو ألمٌ صار فيه من الجمال ما كسر حدَّ السيف وحول الانكسار والقلة إلى فوزٍ ساحق بين.
وأنتم من تحبونه، تحملون بين جوانحكم وأضلعكم، يوماً بعد يوم، عاماً بعد عام، وقرناً بعد قرن، هذا الألم الجميل نعياً وبكاءً وصلاةً والتزاماً، صغيركم وكبيركم، تمشون فيه حيثما تقودكم خطاكم، ومؤشرها وبوصلتها حب هذا الحسين (ع) الذي فيه تجمعت كلُّ المكارم، فيعشب ويخضر الطريق من تحت خطاكم. حقًّا! الخيرُ الدائم لكم به والغبطة والبهجة له بكم.