ألا يحق للشمسِ أن تبكي على القمرِ؟ – اشتقنا لك يا حسين!

مع بزوغ قمر كل سنةٍ هجرية يحضرني سؤالٌ وإجابة وكلاهما أشد إيلامًا وتنكيلًا بالعاطفةِ والخيال من الآخر! ماذا لو كان النبي محمد (ص) حيَّا سنة ٦١ هجرية، وهي ليست بعيدة عن سنة وفاته (١١ هجرية)، كم سيكون حزنه بما جرى على حفيده الحسين (ع)؟ وهل يا ترى بعد كلِّ هذه السنين خمد طوفانُ نار حزنه أم لا يزال يستعر؟

فإذا كان ابن عمر روى: “أن النبي (ص) بينما هو يخطب على المنبر إذ خرج الحسين (ع) فوطئَ في ثوبه فسقط فبكى، فنزل النبي (ص) عن المنبر فضمه إليه وقال: قاتل اللهُ الشيطان، إن الولدَ لفتنة، والذي نفسي بيده ما دريت أني نزلتُ عن منبري”، كيف إذا رأى النبي (ص) الحسين (ع) في مشهدٍ أشد قساوة وبشاعة؟

كان الحسين لجده سعادة وفخر في حياته، هو وأخوه الحسن (ع) يغدق عليهما من الدلالِ والمحبة الكثير، وكانا امتدادَ جيناتٍ طبيعي له بعد وفاته. سكنا في قلب جدهما وزوداه بالثراء العاطفي الطبيعي كأي جد، إضافة لما كان يرى فيهما من صفاتٍ وراثية تنقل المكارم والمحامد في خطٍّ تنحدر منهما في سهول ووديان المكارم والصفات النبيلة.

عاطفة النبي يعقلها ويشذبها العقل والوحي، فها هي تجعل من لا يملكون العاطفةَ يتعجبون من حجمها وقوتها تجاه الحسن والحسين، فحينما قبل (ص) الحسنَ والحسين (عليهما السلام)، وقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرةً من الأولاد ما قبلت واحدًا منهم. قال له النبي: ما علي إن نزع اللهُ الرحمة منك! – أو كلمةً نحوها.

هذا الصبي الذي كان النبي يحبه، اجتمع عليه من القتل والقهر والظلم ما لم يجرِ في التاريخ المكتوب على شخصٍ عزيز مثله، وبالطبع لو كان جده النبي حيًا لبكى كثيرًا، وأخاله حقًّا بكى عليه كثيرًا! فقد روت كتب الحديث عن أم سلمة أنها رأت النبي (ص) ذاتَ ليلة وهو شعث مغبرّ، فسألته عن ذلك، فأجاب (ص): “أُسري بي في هذه الليلة إلى موضعٍ من العراق يُقال له كربلاء، فأُريتُ فيه مصرع الحسين ابني‏”، ثم أعطاها شيئًا يشبه التراب الأحمر، فوضعته في قارورة، وسدّت بابها. وعندما خرج الإمام الحسين (ع) إلى كربلاء، كانت أم سلمة تُخرج تلك القارورة يوميًا، وتنظر إليها، وفي يوم عاشوراء أخرجتها، فإذا هي تغيّرت إلى دمٍ عبيط.

مع أن الأمر بيننا مختلف، فمحمد (ص) نبي كاملٌ في العاطفة كما في غيرها، إلا أنه لو رأى ذاك السبط الذي حمله وأفاضَ عليه من الدلال والمحبة والتربية متشحطًّا في دمه فسوف يكون ألمه عميقًا يجم عن الوصف! بلى والله يبكي الأنبياء كما غيرهم، فهذا يعقوب (ع) “وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ”، وهام توقًا ليوسف (ع) حتى شمَّ ريحَه من قميصه عن بعد “وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ”.

تصرمت أيّامُ محنة وآلام آل يعقوب في لحظة اللقاء مع حبيبهم يوسف، فنزعوا ثوبَ العزاء والمصيبة ولبسوا لباسَ الفرح والسرور، فهل تمضي الليالي والأيّام ومحمد (ص) في حالةِ حزن، وتبقى قضيّة سبطه الحسين (ع) مختومةً بالأسى وإلى الأبد؟ سؤالٌ سوف يعاودني مطلع شهر محرم القادم!



error: المحتوي محمي