خواطر لابد منها… ٢/٢١

الموروث…..

المنهج في حفظه…

تقدم في الخاطرة السابقة عن دور الأئمة صلوات الله عليهم في حفظ الموروث الروائي وهي المرحلة الأولى وهنا في المرحلة الثانية سنتحدث فيها عن دور السفراء “١” رضوان الله عليهم في الغَيبة “٢” الصغرى لمولانا صاحب العصر عجل الله فرجه الشريف وما قاموا به من دور عظيم في حفظ الموروث الروائي وتنقيته من الوضع والدّس وتعتبر هذه الحالة هي المرحلة ما بعد الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين.

١ – النُّواب الأربعة هم السفراء الذين مثَّلوا الواسطة بين الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف من قِبَله صلوات الله عليه وبين الشيعة الإمامية وقت الغَيبة الصغرى وكانوا هؤلاء من وجوه الطائفة ومن أصحاب الأئمة الخلّص والمعتمد عليهم في إدارة شؤون الشيعة من قِبَله صلوات الله عليه وتسنّموا الشرف العظيم وهي النيابة الخاصة عن الإمام المهدي صلوات الله عليه واحداً تلو الآخر وكانوا على اتصال مع سائر وكلاء الإمام يحملون إليهم رسائله وتوصياته التي تعرف في الوسط الإمامي بالتوقيعات المباركة واستمرت سفارتهم منذ عام ٢٦٠هـ، وحتى عام ٣٢٩هـ، وهي فترة الغَيبة الصغرى.

هم:
١ – عثمان بن سعيد العمري السمّان.
٢ – محمد بن عثمان العمري.
٣ – الحسين بن روح.
٤ – أبو الحسن علي بن محمد السمري.

٢ – مرّت غَيبة الإمام الحجة صلوات الله عليه بمرحلتين الأولى منهما عرفت بالغيبة الصغرى لقصر مدتها نحو ٧٠ عامًا والثانية بالغَيبة الكبرى والممتدة إلى عصرنا هذا نسأل الله له الحفظ والصحة والعافية والسلامة والتعجيل له بالفرج.

المرحلة الثانية:

مرحلة الغَيبة الصغرى:

مرحلة سفراء الإمام الحجة صلوات الله عليه ماذا كان يعمل كل من السفراء؟!
كانوا أيضاً يسيرون على نهج الأئمة صلوات الله عليهم وهو طريق تنقيح وتنقية الحديث وذلك بعدة طرق:

الطريق الأول:

التحذير من الكذابين:

امتدادًا لدور الأئمة صلوات الله عليهم صدر من السفراء التنبيه والتحذير من الكذابين كأحمد بن بلال العبرتائي قال النجاشي: (أحمد بن هلال، أبو جعفر العبرتائي، صالح الرواية، يعرف منها وينكر، وقد روي فيه ذموم من سيدنا أبي محمد العسكري عليه السلام).

روى محمد بن يعقوب قال: خرج إلى العمري في توقيع طويل اختصرناه: (ونحن نبرأ إلى الله تعالى من ابن هلال لا رحمه الله، وممن لا يبرأ منه، فأعلم الإسحاقي وأهل بلده مما أعلمناك من حال هذا الفاجر، وجميع من كان سألك ويسألك عنه). كتاب الغيبة الشيخ الطوسي.

أخبرنا جماعة، عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود القمي قال:
وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه على ظهر كتاب فيه جوابات ومسائل أنفذت من قم يسأل عنها هل هي جوابات الفقيه عليه السلام أو جوابات محمد بن علي الشلمغاني، لأنه حكي عنه أنه قال: هذه المسائل أنا أجبت عنها، فكتب إليهم على ظهر كتابهم:
(بسم الله الرحمن الرحيم قد وقفنا على هذه الرقعة وما تضمنته، فجميعه جوابنا (عن المسائل) ولا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقري لعنه الله في حرف منه وقد كانت أشياء خرجت إليكم على يدي أحمد بن بلال (هلال) وغيره من نظرائه، وكان من ارتدادهم عن الإسلام مثلما كان من هذا، عليهم لعنة الله وغضبه). فاستثبت “١” قديمًا في ذلك.
فخرج الجواب: ألا من استثبت فإنه لا ضرر في خروج ما خرج على أيديهم وأن ذلك صحيح.
١ – قال في البحار : قوله “فاستثبت” من تتمة ما كتب السائل، أي كنت قديمًا أطلب إثبات هذه التوقيعات، هل هي منكم أو لا؟ ولما كان جواب هذه الفقرة مكتوبًا تحتها أفردها للإشعار بذلك.

وقال الصدوق في كتاب كمال الدين: في البحث عن اعتراض الزيديّة وجوابهم ما نصّه:
حدّثنا شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه قال: سمعت سعد بن عبداللّه، يقول: “ما رأينا ولا سمعنا بمتشيّع رجع عن تشيّعه إلى النصب، إلاّ أحمد بن هلال، وكانوا يقولون: إنّ ما تفرّد بروايته أحمد بن هلال، فلا يجوز استعماله، انتهى”.

وما ورد في فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني:
على ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري قال: كتب أبو الحسن العسكري عليه السلام إلى علي بن عمرو القزويني بخطه: “اعتقد فيما تدين الله تعالى به أن الباطن عندي حسب ما أظهرت لك فيمن استنبأت عنه، وهو فارس لعنه الله فإنه ليس يسعك إلا الاجتهاد في لعنه، وقصده ومعاداته، والمبالغة في ذلك بأكثر ما تجد السبيل إليه. ما كنت آمر أن يدان الله بأمر غير صحيح، فجد وشد في لعنه وهتكه، وقطع أسبابه، وصد أصحابنا عنه، وإبطال أمره وأبلغهم ذلك مني، واحكه”.

الطريق الثاني:

تصحيح الكتب:

كان للسفراء دور في تصحيح الكتب التي كتبت من قبل الرواة الذين رووا عن أهل البيت عليهم السلام وسطروها حيث قام السفراء بطلبها لينظروا فيها.

روى الشيخ الطوسي بسنده أن محمد بن علي الشلمغاني ألف كتاب أسمه كتاب (التكليف) قال الشيخ، السفير الثالث يعني – أبا القاسم الحسين بن روح – رضوان الله عليه لما سمع بالكتاب قال أطلبوه إلي لأنظره.

كان السفراء يراقبون أي كتاب يصدر فيطلبونه قال أطلبوه إلي لأنظره فجاءوا به إليه فقرأه من أوله إلى آخره ثم قال: لا يوجد فيه شيء إلا وقد روي عن الأئمة (صلوات الله عليهم) إلا موضعين فإنه كذب عليهم فيها.

فهذا من الشواهد الجلية على أن مرحلة السفراء هي امتداد  للدور الذي قام به الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين في التصحيح والتنقيح وتنزيه الأحاديث.

وقد ورد في توقيع إمام العصر صلوات الله عليه حول الشلمغاني:

إن محمّد بن علي المعروف بالشلمغاني – وهو ممن عجّل الله له النقمة ولا أمهله – قد ارتد عن الإسلام وفارقه، وألحد في دين الله، وادّعى ما كفر معه بالخالق جلَّ وتعالى وافترى كذباً وزوراً وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، كذب العادلون بالله وضلّوا ضلالًا بعيداً وخسروا خسراناً مبيناً. وإننا قد برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله وآله – صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليهم – بمنّه “١” ولعنّاه، عليه لعائن الله تترى في الظاهر منّا والباطن في السرّ والجهر، وفي كل وقت وعلى كل حال وعلى من شايعه وبايعه أو بلغه هذا القول منّا وأقام على توليه بعده. وأعلمهم – تولّاكم الله – أنّا من التوقي والمحاذرة منه على ما كنّا عليه ممن تقدمه من نظرائه من الشريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم وعادة الله جلَّ ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة وبه نثق وإيّاه نستعين وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل.
قال هارون: وأخذ أبو علي هذا التوقيع، ولم يدع أحدًا من الشيوخ إلا واقرأه إياه، وكوتب من بعد منهم بنسخته في سائر الأمصار، فاشتهر ذلك في الطائفة، فاجتمعت على لعنه والبراءة منه.
الشيخ الطبرسي كتاب الاحتجاج ج ٢ ص ٤٧٤ – ٤٧٥. الشيخ الطوسي في الغيبة ص ٤١٠.
١ – في البحار: منه.

المرحلة الثالثة:

مرحلة الغَيبة الكبرى:

أولًا: سنتحدث عن الكتب الروائية التي أُلِّفَت في هذه المرحلة ومن خلالها سيتضح الدور الذي قاموا به أعاظم الفقهاء والمحدثين في مسألة تنقيح الروايات المروية عن الرسول الأعظم وأهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله عليهم أجمعين حتى لا يقع فيها الوضع والدّس أيضًا وسأفرد لها الخاطرة القادمة إن شاء الله.

لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك ابق متبعًا لنصائح الجهات المسؤولة.



error: المحتوي محمي