هل التجميد طريقة آمنة لحفظ الأغذية الطازجة؟ وأين مكمن الخطر؟

عندما تأتي المواسم لبعض الأغذية الطازجة، وتكثر في الأسواق بأسعار زهيدة تغري المشتري، فيضطر بعضنا إلى شراء كميات كبيرة منها؛ وتحفظ في الثلاجة أو الفريزر، فهل يمكن حفظها مدة طويلة دون أن تتعرض للفساد؟

موضوعنا ليس له علاقة بالتسمم الناتج عن فساد الأغذية الطازجة، أو عدم صلاحيتها للأكل، أو تلوثها ببقايا الكائنات الحية الدقيقة، وإنما له علاقة بمحتواها من الدهون والبروتين، وهي عناصر غذائية ضرورية؛ إلا أنها قد تسبب مشاكل صحية لطول فترة تخزينها.

تعد اللحوم والأسماك الطازجة من الأغذية الحساسة سريعة الفساد، والسمة المميزة لهذه الأطعمة إنها أغذية دهنية مشوقة في طعمها ونكهتها المعروفة وغنية بفوائدها الصحية.

يقبل كثير من الناس على شراء تلك الأطعمة بكميات كبيرة تزيد على حاجاتهم، وقد لا يُحسنوا حفظها أو التعامل معها بخطوات آمنة، وبالتالي يكون مصيرها التلف.
وأهم وسيلة لحفظ مثل هذه الأغذية هو إبقاؤها مجمدة، فما تأثير التجميد على القيمة الغذائية؟

إن تجميد المواد الغذائية ظاهرة فيزيائية تتعرض فيها المحتويات المائية الموجودة في خلايا الأنسجة الغذائية إلى التصلب بفعل درجات الحرارة المنخفضة (۱۸° س تحت الصفر) وبذلك تتوقف جميع الأنشطة الكيماوية والحيوية للإنزيمات الموجودة في هذه الأنسجة.

والتجميد من الطرائق الآمنة لحفظ الأغذية الطازجة، ووسيلة مهمة للحد من خطر التسممات، وتعتمد على إطالة فترة الحفظ بحيث يتجمد المحتوى المائي للغذاء فيصبح الوسط غير ملائم للنمو الميكروبي أو لحدوث التفاعلات الكيميائية، وهذا لا يعني حفظ الأغذية إلى ما لا نهاية على درجات الحرارة المنخفضة، فبمرور الوقت تفقد الأغذية جودتها بسبب حدوث التفاعلات الكيميائية.

بقاء الإنزيمات في الأغذية المجمدة لفترة طويلة، يفقدها القيمة الغذائية ولونها وقوامها وطعمها بعد إزالة التجميد منها.

ومن ناحية أخرى، فإن جودة الأغذية المجمدة لا تتوقف على خفض درجة الحرارة للغذاء، ولكن على سرعة هذا الخفض، فتجميد الغذاء يؤثر في الجودة بدرجة كبيرة، وكلما زادت سرعة التجميد زادت فرصة بقاء الغذاء المجمد بمستوى جودته.

• حين سافر كليرنس بيردساي إلى المنطقة القطبية في بعثة للحكومة الأمريكية، كان باحثاً في العلوم البيولوجية، شاهد هناك كيف أن الأسماك التي يقوم بصيدها كما يفعل السكان المحليون، تتجمد فوراً حالما يتم سحبها من الماء، والأهم أن هذه الأسماك كانت تحتفظ بطعمها حتى حين يقوم بتناولها بعد أشهر من صيدها، ومن خبرته هذه استنتج بيردساي أن الطعام لا بد أن يتجمد سريعاً، حتى يحتفظ بسلامة أنسجته، وبطعمه الأصلي.

وعلى نطاق التداول العام فإن سرعة تجميد الأسماك الطازجة محلياً؛ لم يكن ممكناً فهناك فترة طويلة أثناء صيد الأسماك ونقلها وتخزينها وعرضها في الأسواق، وحتى وصولها إلى المستهلك، وعلى نطاق مصغر يواجه المستهلك مرحلة بقاء الغذاء في المجمد المنزلي فترة طويلة؛ مع صعوبة ضبط درجة حرارة المجمد “الفريزر” كل ذلك قد ينتج عنه مخاطر صحية.

• وجود الماء مع بعض الإنزيمات في الخلية (النباتية أو الحيوانية) مع عامل الحرارة يشجع على التحليل الإنزيمي المسؤول عن تحليل المواد الفعالة في الأغذية الطازجة، وتكسيرها، مما يؤدي إلى تلفها، وعدم الاستفادة منها.

• مما لا شك فيه أن اللحوم والأسماك غنية بالشحوم والدهون، تلك الدهون تحدث بداية التزنخ؛ فالأغذية الدهنية تتأثر بالإنزيمات المحللة لها (حالة التزنخ) والتي يصعب القضاء عليها (أي الإنزيمات)، وكلما كانت نسبة الدهون عالية في المادة الغذائية، تقل فترة تجميدها، وهذه الحقيقة ظاهرة في حفظ الأسماك بالتجميد، وإذا حصل تزنخ الأسماك في أثناء عملية التجميد فإنها تفقد الفيتامينات الذائبة في الدهون مثل فيتامينات (A) و(D)، لذا فمن الأفضل في هذه الحالة ألا تطول فترة حفظها.

• يتعرض بروتين اللحم الطازج عند تجميده بقصد التخزين على درجات تتراوح بين ( 4° و20° س تحت الصفر) لعمليات الدنترة والأكسدة والتجمع والتي بدورها تسبب انخفاض درجة حرارة الدنترة، وانخفاض محتوى البروتين من سلفهيدريل وذوبانية البروتين، مما يشير إلى أن إطالة فترة التخزين بالتجميد، عرَّض بروتينات ودهون اللحم إلى عمليات الأكسدة.

التغيرات الحيوية التي ظهرت في بروتين اللحم خلال فترة التجميد قللت من كمية الأحماض الأمينية الحرة لكونها دخلت في تفاعل ميلرد.
إن قيمة الامتصاص المتحصل عليها من تفاعل سكر الرايبوز مع بروتينات اللحم تعتبر محددة لنوع اللحم ومؤشر لطزاجة اللحم.
“البحث لـ أ. د. أزهر مات عيسى – المحاضر في جامعة سينز، ماليزيا”.

ها قد أوشك موسم السماح بصيد الروبيان، وسيشهد سوق القطيف المركزي هذه الأيام كميات هائلة وبأسعار بناءً على العرض والطلب، قد تغري المشتري بشراء كميات كبيرة تزيد على حاجته، يملأ بها الفريزرات، ومرد ذلك طول فترة الحظر الملزمة، وتظل مجمدة طوال تلك الفترة، قد يستهلك جزءاً منها فقط.

إذًا.. ماذا يترتب على بقاء الأغذية مجمدة لفترة طويلة؟
• تفقد قيمتها الغذائية.
• تفقد مذاقها واستساغتها.
• غير مأمونة الاستخدام.

إن المبالغة في حفظ الأغذية مجمدة مضر، ولتلافي هذه المشكلة يمكن استهلاكها في مدة لا تزيد على شهرين إلى ثلاثة أشهر لضمان سلامتها وجودتها الغذائية.

• الأغذية الطازجة لا تحتاج إلى تاريخ انتهاء الصلاحية مع ضرورة ذكر تاريخ الإنتاج فقط عند التعبئة والتغليف، لائحة فنية خليجية رقم GSO 150 – 1 / 2013.

• في حالة إذابة الأغذية المجمدة مثل اللحم أو الدجاج أو السمك قد يحدث أحد أمرين كلاهما خطر، فالأول هو ترك المجمدات على طاولة المطبخ حتى تذوب كاملة لساعات طويلة، وبالتالي فإن بقاءها في درجة حرارة الغرفة لمدة تزيد على أكثر من ثلاث ساعات يساعد على نمو الجراثيم على سطح المجمدات حتى وإن كانت جامدة في وسطها، وبالتالي قد ينتج سموم مقاومة لدرجات الحرارة العالية.

أما الخطأ الثاني فهو التعجيل في الطبخ قبل التأكد من ذوبان الجزء الداخلي منها، الذي يكتمل ذوبانه من حرارة الطبخ، ولم يتم بعد طهيها من الوسط جيداً، وبالتالي لم يتم التخلص من الجراثيم الموجودة في الأغذية النيئة، مما قد يتسبب في حالات تسمم غذائي لا قدر الله.

وأفضل الطرق لتجاوز “هذه الإذابة” هو أن تتم إذابة الأغذية المجمدة في درجة حرارة منخفضة “داخل الثلاجة” حتى اكتمال التذويب في جميع أجزاء الطعام.

وأخيراً.. تناول كل شيء طازج.. تناول كل شيء مملوء بعناصر النمو.. لكي تغذي جسماً حياً، يجب أن تعطيه أطعمة حية.. أنت محتاج للخضراوات والفواكه واللحوم.. المشبعة بنور الشمس، وبالعصارات الحية.. تلك الأغذية المغذية تتميز بوجود الإنزيمات، وهي العصارات الهاضمة التي تساعد على اتحاد الفيتامينات مع الأكسجين وبالتالي فسادها، فهي تتلف بالحرارة، ولكي تحافظ على الأطعمة الطازجة والحية من الفساد نوقف فاعلية أو نشاط الإنزيمات بخفض درجة الحرارة، وهذا يعني وضعها في الثلاجة أو الفريزر، فالتبريد يمنع الإنزيمات من إتلاف الفيتامينات.

منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات .


error: المحتوي محمي