التوكل شعور بحجم المعجزة

التوكل.. هو اعتماد القلب على الله في الأمور كلها وانقطاعه عما سواه [وهو شعور داخلي يدركه الباري سبحانه]..
واختصر المقال في مجموعة اسئلة:

س/ هل أنت تتماشى مع الأسباب وتعتمد عليها؟
س/ هل تمتلك أموالًا تركن إليها؟
س/ هل حصلت على وظيفة تشعر معها بالأمان؟
س/ هل أنجبت أولادًا تعتز بهم؟
س/ هل لديك أصدقاء خلص ثبت إخلاصهم بالتجربة؟
س/ هل عندك زوجة صالحة تطيعك؟ وتحفظك؟
س/ هل عندك زوج ينفق عليك ويحميك؟
س/ هل أنت عالم واثق بعلمه؟
س/ هل حصلت على شهادة مرموقة؟
س/ هل أنت صاحب حرفة متقنة؟
س/ هل تمتاز بأخلاق راقية ملكت بها قلوب الناس؟
والأسئلة كثيرة..

وهذه الأسئلة عبارة عن أسباب أمرنا الله سبحانه أن نأخذ بها ونتماشى معها.
فقد أبى الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها.
قال تعالى: {ثم اتبع سبباً}…
فلن نتقدم في الحياة ولن نمتلك زمام الأمور إلا بالأسباب والمسببات.
الأعرابي يسأل رسول الله (ص):
“أعقل دابتي وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟”.
فقال (ص):
“أعقلها وتوكل”.

السيدة مريم (ع) سيدة نساء عالمها وهي تعاني طلق الولادة وشدتها وسكراتها، أمرها ربّها باتباع الأسباب.
قال تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة}.
ونبيه أيوب (ع) أمره الباري باتباع الأسباب حتى يشفى من بلائه..
قال تعالى: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب}…
ونبيه نوح (ع) أمره أن يبني الفلك وهو قادر أن ينقذه من غير السفينة.
لكنها المشيئة الإلهية التي أبت أن تجري الأمور إلا بأسبابها.
ولكن الخطأ الذي لا يغتفر والمعصية التي لا تمحى والمشكلة التي ليس لها حل.. الاعتماد على الأسباب وإعطائها كل الثقة..
لأن ذلك خلاف التوكل وخلاف الاعتماد على الله سبحانه.
فالتوكل الحقيقي يستند على ركنين..
أولاً/ الاعتماد على الله قلباً وشعوراً.
ثانياً/ اتباع الأسباب.
ومشكلة البشر الحقيقية الاعتماد على الأسباب والانقطاع إليها والثقة بها، دون الشعور القلبي والاعتماد على الله.

وهذا ما أدى بالبشرية إلى القلق والاضطراب والاكتئاب.
فمنظمة الصحة العالمية تحذر بأن أكثر الأمراض انتشاراً بحلول عام ٢٠٢٥م ليس السرطان ولا الإيدز بل الاكتئاب الذي يعانيه مئات الملايين من البشر.
وهذا مرض خطير يتسبب في إيقاف عجلة الحياة ودمار الأفراد والمجتمعات.
فنحن مأمورون باتباع الأسباب بل اتباعها واجب شرعي وتركها حرام.
وفي نفس الوقت لا نعتمد عليها ولا نثق بها بل الاعتماد على الله سبحانه.
فكل الأمور طراً بيده أسباب ومسببات ومقدمات ونتائج.

ولو أراد الله أن يقطع المسببات عن أسبابها والنتائج عن مقدماتها لفعل.
كما في قصة نبي الله إبراهيم (ع)
جاء في القرآن الكريم {قالوا حرِّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين}…
أضرموا له ناراً لم توقد قط مثلها، لها شرر عظيم ولهب مرتفع وحرارة لا تطاق، فرموه بالمنجنيق فيها.
فعطل الله قاعدة السبب والمسبب والعلة والمعلول.
وبعد سبعة أيام وقيل خمسين يومًا وبعد أن خبت النار قدموا إليه وهم يظنون أنهم سيجدونه رماً ورميما.
ولكنهم وجدوه قائمًا يصلي.
{قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم}.
ومن هنا تكتشف سر التوفيق والنجاح والفلاح والنصر والانتصار للمتوكلين على الله، الذين سلموا الله وأتمنوه وأوكلوه أمورهم ومصالحهم.
هؤلاء عقلوا كلام الله وفهموه وطبقوه وأحسنوا التوكل عليه.
قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}…
{وتوكل على الله وكفى به وكيلاً}…
{وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}.
فنحن علينا أن نتبع الأسباب ولكن لا نعتمد عليها.
فالشافي ليس الطبيب، بل الشافي هو الله ولكن الطبيب سبب.
والرازق ليس المدير، الرازق هو الله، ولكن المدير سبب.
والمميت ليس ملك الموت، المميت هوالله، ولكن ملك الموت سبب، وهكذا دواليك…

والنتيجة التي نصل إليها.. أن الحل السحري والإعجازي لكل مشاكلنا المادية والمعنوية هو صدق التوكل القلبي والاعتماد على الله سبحانه ثم اتباع الأسباب والمسببات والمقدمات والنتائج.
ويمكن في يوم من الأيام أن تنقطع بك الوسائل والأسباب فلا تجد من ينصرك أو يعينك.
ولكن لا يمكن ومن المحال فقدان الوكيل والحسيب.

وفي الختام، ألفت انتباهك إلى أمر مهم بل في غاية الأهمية..
لا تعتقد أن التوكل على الله واتباع الأسباب سوف يحقق لك ما تريد!
بل سوف يحقق لك ما هو أفضل والأحسن من حيث ما يعلم هو سبحانه.
{الله يعلم وأنتم لا تعلمون}…
رزقنا الله وإياكم التسليم المطلق إليه، وصدق التوكل عليه.
اللهم صل على محمد وآل محمد.


error: المحتوي محمي