يُطبق العامة والخاصة من الناس على احترام وتقدير بعض شخصيات مجتمعاتهم لما يرونه فيهم من جميل الخصال وتكامل الصفات التي تأسر القلوب فيدخلونها دون استئذان.
هؤلاء الخيرون هم خيرة الناس والذين يمتازون بما حباهم الله من ملكات حميدة هي من صميم أصولهم وقد وظفوها تسخيراً لهم من الله عز وجل لخدمة الناس سواء بالعطاء أو التعامل قولاً وفعلاً، وقد أصبحوا أبواب مقصد، وغدت بيوتاتهم مفتوحة على مصراعيها للقريب والبعيد والغريب، وهم على هذا المنوال والسجية لا يملون ولا يفترون حتى لو قصروا على أنفسهم، ولا يظهر عليهم التقصير والتأثر من عسرٍ وضيق حال، بل إنهم يبذلون العطاء ويفرشون للناس قلوبهم ومشاعرهم ويقيمون المناسبات الاجتماعية والدينية التي يزخر بها وتعود عليها مجتمعنا القطيقي تعاقباً.
ولهذا حين يغيب أحد هؤلاء لسبب من الأسباب الدنيوية وتغيب معه مناسباته المعتادة يضج ويستوحش أولئك الذين اعتادوا عليها، بل إنهم يشعرون باليتم حين يغيبون غيبتهم النهائية ويرحلون بلا عودة حيث يختارهم الله إلى جوراه.
النجيب السيد باقر الخضراوي “أبو علوي” أحد هؤلاء الخيرين الذين أجمعت القديح على محبته ورفعت شأنه ومقامه وهو المرفوع والمعروف شأناً ومقاماً من الأصل، وليس غريباً أن أهل هذه البلدة العريقة تملكها الحزن والأسى حين ودعته الوداع الأخير وهو يغادر هذه الدنيا بعد معاناته المرضية وقد نزلت مشيئة الله لتختتم حياته الدنيا، ويبدأ نفس الحياة من جديد، حيث سيولد في كل بيت وقلب وذكرى جميلة، وكل ذكرياته جميلة ومع كل أحد عرفه.
رحل السيد باقر وضمته الأرض التي ولد وتربى ومات وألحد فيها، وقد تجلبب من فوقها بالحزن والأسى على خسارته وهو الذي كان يعيش الحياة مبتسماً صبوراً رغم ما عاناه من خلال صراعه مع مرضه في آخر سنين حياته. والعجيب أن شيئاً من المعاناة والشكوى وما شابه لم تكن ظاهرة عليه، بل هو يشعرك بالسعادة، ولم نسمع منه مطلقاً شكوى، ولم نره يتألم أو يسخط ويتبرم أبداً.
كان جبلاً من صبر وعزة ورجولة مطلقة يجعلك تنبهر بما هو عليه من قوة تحمل وتحدٍ لما نظن أنه يعانيه.
في آخر لياليه في منزله لم يشكُ ولم يستدع أحداً بل غفت عيناه في مكان شكك أهله في ذلك حين طال به المقام غافياً، فاستدعي أقربُ من كان حوله آنذاك ليأخذوه إلى المكان الذي لم يعد منه لبيته مرة أخرى، وقد طال الانتظار، بل ذهب كما ذهب أبواه رحمة الله عليهما وذهب المؤمنون في سنة مكتوبة علينا جميعاً، نختلف في الأسباب ولكن النهاية واحدة، إنما السؤال: هل يحظى كل أحد بنهاية مثل نهاية النجيب أبي علوي؟ والذي ابتدأت له حيوات أخرى في كل قلب وروح ومشاعر، فهو قطعاً لن يغيب وإن غاب جسداً، حاله كحال الكثير من العظماء المخلدين في القلوب والمشاعر.
أبو علوي وأمثاله القلة هم أغنى الناس على الإطلاق؛ فأرصدتهم لا تضاهيها أرصدة، ولا يصل لها من يحاول أصلاً، هي لا تتأتى لكل أحد ولا يستطيع امتلاكها من لا يملك أصولها من أول العمر وقد جمعها كلها هذا النجيب الحبيب، ولسوف يأخذها أولاده وإخوانه وأحبابه النموذج الأمثل الذي يحتذى به فقط، ولا يتأتى أو يقلد.
رحمك الله يا صاحب كل الناس وصديق كل الناس وأخ كل الناس وحبيبهم صغيراً كبيراً وقريباً وغريباً.