كانت هناك حديقة صغيرة أمام المستشفى، وكانت تزينها بعض الزهور والأعشاب الخضراء، ووضعت بعض الكراسي للجلوس عليها
وفي وسط الحديقة بنت صغيرة ويبدو أن عمرها لا يتجاوز السابعة وتلبس فستاناً قصيراً لونه قريب إلى الوردي لأنه قديم فتغير اللون.
وشعرها حرير ينسدل على أكتافها وبيدها ترفع قصة شعرها للوراء، كانت مرحة وتتنقل من مكان لآخر بابتسامة بريئة جميلة، وتقف أمام تلك الزهور والورود الزاهية الجميلة، وتلاحق بعض النحل التي تنتقل من زهرة لأخرى.
لم يكن في الحديقة أحد معها، انتظرت قليلًا عسى أن يأتي أحد من أقاربها.
وأثناء لعبها كانت دائمًا تنظر إلى باب المستشفى وكأنها تنتظر أحداً يخرج لها، فقلت في نفسي لعل أباها أو أمها أو أحد أقاربها في المستشفى وهي تنتظره.
مرت الدقائق بسرعة وهي على هذا الحال، فإذا بالنداء جاء ليكسر الصمت المبهم، فاطمة… ابنتي يا فاطمة…
التفتت خلفها وهي تقول: نعم يا أماه…
فقالت لها: لقد انتهيت الآن من عيادة الدكتور، دعينا نذهب للبيت.
أقبلت بسرعة نحو أمها وأخذت تقبل يدها وتقول يا أماه ماذا قال الدكتور؟
قالت الأم: الحمد لله يقول الدكتور إنها أعراض الإرهاق، وأحتاج إلى الراحة.
قالت البنت: هذا يعني أنك لن تذهبي للعمل في السوق لعدة أيام؟
وضعت الأم يدها على رأسها وهي تقول: نعم يا صغيرتي سأجلس معك وأرتاح من العمل لبضعة أيام.
شدني هذا الحوار الجميل من هذه البنت مع أمها وهي تنظر إلى عيني أمها فرحة مسرورة…
وترد بقولها: أحبك يا أمي..
تلاشت صورتهما وهما تسيران في الطريق….
انتابني شعور غريب تجاه هذا الحدث… تساءلت في نفسي.. أين أبوها؟ لأنها لم تذكر شيئاً عنه…
ذلك الأب الذي يضم عائلته، ويقف معهم في مثل هذه الظروف…
هل أبوها على قيد الحياة؟
أم تركها وحيدة مع أمها لتقاسي ألم الحياة وحدها؟
أم في سفر؟؟ أم مريض هو الأخر؟؟؟ أو… أو… أو…
اعتصر قلبي ألمًا من هذا الشعور….. وانتابني حزن لمثل هذا الموقف…
ولكن الله موجود وهو يرعى خلقه… ولن يضيع أحد… وهو يدبر الأمور لعباده…
وقلت في نفسي أتمنى أن يكون هذا الشعور تجاههم غير صحيح… فلا أحب أن أرى عائلة تفقد أحدًا من أفرادها وتجعلهم يحتاجون إلى الغير…. لأن الشعور بالحاجة والفقر مذلة …. وكثير من العوائل يتعففون عن السؤال لتكون حياتهم بعزة وكرامة، فلا يعلم عن أحوالهم إلا الله عز وجل…