أعادت صورة وثيقة قديمة لنداء موجه إلى أهالي الخير والإحسان، الذاكرة من جديد لـ سنة “الحريقة” كما يطلق عليها كبار السن في قرية الجارودية، بعد أن مضى عليها 56 عامًا.
وأظهرت الصورة جزءًا يسيرًا من تفاصيل تلك “السنة”، أو السبب وراء تسميتها تلك، فقد ذكر فيها: “إن قرية الجارودية أصيبت بنكبة حريق في يوم السبت 26 ذو القعدة 1385هـ، وحيث إن هذا الحريق أدى إلى خسائر فادحة في البلاد، من ضمنها وفاة امرأة وفناء 55 بيتًا، بما فيها من ممتلكات، وأصبحت هذه البيوت أثرًا بعد عين، وأصبحوا بالأزقة مشردين بلا مأوى ولا زاد، فلم يكن لهم إلا رحمة الله ومساعدة إخوانهم في الإنسانية، وهناك أيضًا عدد كبير من هؤلاء المنكوبين جرحى، لذلك أخي المحسن باسم الإنسانية ندعوك لتشاركنا بهذا المصاب ومساعدتنا بما تجود من ما أنعم الله به عليك لكي نتمكن من إرجاع بعض ما خسره هؤلاء المنكوبون، ليتستر عن العرى، وليستطيعوا إعاشة أطفالهم، بادر يا أخي المحسن بالمساعدة، كل قرش تدفعه يعوضك الله بثوابه، إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا”، لجنة منكوبي حريق الجارودية بالقطيف”.
وكان الحاج إبراهيم آل فضل قد زود «القطيف اليوم» بنسخة من تلك المناشدة المؤرخة بتاريخ 1385/12/2 هـ، أي بعد أسبوع من اندلاع الحريق، مبينًا أنه لا يعرف بالتحديد ممن حصل عليها، وأنه على ما يبدو أنها كانت توزع على الناس بغرض جمع تبرعات للمتضررين من الحريق.
سنة الحريق
يعود “آل فضل” بذاكرته إلى عمر الـ11، وهي تحديدًا سنة “الحريقة”، يقول: “شهدت الحادثة عن قرب بنفسي، والتفاصيل تعود إلى “الدافور”، وهو موقد كانت تعد فيه امرأة طعام الغداء في بيت من “العشيش”، أي سعف النخيل”، وقد انفجر الموقد وتسبب في حرق البيت بالكامل وانتشار النيران في البيوت المجاورة”.
ويمضي في ذكرياته: “بعدها انتقلت النيران من بيت إلى آخر بسبب الرياح في ذلك اليوم، ومن المؤكد أن 90٪ من بناء الدور الأرضي في المنازل كان من الحجر والطين وبعضها إسمنت، أما الدور الثاني بنفس النسبة هو من العشيش “الجريد”، وهذا ما ساعد على انتقال النيران من بيت إلى آخر”.
حدود وأضرار
بدأ الحريق من الجهة الغربية الشمالية للقرية، وبالتحديد غرب مغتسل الجارودية “مسجد العين والعين تسمى الصِدّين”، بحسب وصف الحاج إبراهيم.
يقلب “آل فضل” في تاريخ تلك الحادثة، ويذكر: “تسببت الحريق في وفاة سيدة، أما الأضرار المادية فكثيرة ومنها؛ نفوق المواشي/ الأبقار والطيور/ الحمام، وهذه كانت تربى بالمنازل وقتها، وكذلك خسارة المنازل وخصوصًا الدور الأول بنسبة تجاوزت 60٪ من المنازل التي أتى عليها الحريق”.
وأوضح أن بعض العوائل الذين فقدوا منازلهم بالكامل سكنوا بالمساجد والحسينيات، وبعضهم لدى أقاربهم أو جيرانهم.
إطفاء
أظهر أهالي قرية الجارودية أنهم بنيانٌ مرصوص، فما إن اشتكت تلك المنازل من التهاب النيران فيها، حتى هب جميع الأهالي كبارًا وصغارًا نساءً ورجالًا إل إطفاء الحريق.
وساهم كذلك فريق الدفاع المدني بالقطيف والدمام وإطفاء شركة أرامكو، في مكافحة النيران وقتها، إلا أن آثارها بقيت على مدى أسبوع تقريبًا، وحسب كلامه: “كانت تُكتشف كل يوم نار في أحد المنازل، سيما المنازل المبنية أسقفها من جذوع النخيل”.
عودة للوثيقة
ويعود “آل فضل” للحديث عن وثيقة المناشدة تلك، ويقول: “بخصوص الوثيقة لم أتوصل إلى من قام بعملها أو طباعتها، ولكن عرفت من بعض الأشخاص الأكبر مني سنًا أنه كان هناك أكثر من شخص أو لجنة، على لسان قائلها الأخ صالح مريبط أنه كان أحد أعضاء لجنة كانت برئاسة المرحوم السيد عدنان الجارودي أبو علوي وعضوية المرحوم جعفر الحبيل أبو زاهر”.
ويضيف: “توجه أعضاء اللجنة إلى شركة أرامكو بالظهران وجمعوا مبلغًا لا بأس به من الموظفين، وحسب كلام الأخ صالح مريبط فإن المرحوم عبد الله المطرود كان له دور فعال في الإشراف والتوجيه والدعم المالي وقت الحادثة”.
من خبايا ذاكرة طفل
تحتفظ ذاكرة رئيس مجلس إدارة جمعية الجارودية الخيرية حسن المدن ببعض التفاصيل لتلك الحادثة، رغم أن عمره حينها لم يكن يتجاوز 7 سنوات، فهو يؤكد على كلام الحاج “آل فضل”، في أن الحريق حدث تحديدًا في أقصى غرب البلدة القديمة.
ويتوافق معه في أن سبب الحريق كان “موقد جاز” بحسب ما سمع من كبار السن، ويفصل: “كانت المرأة قد أشعلته لتطبخ (كراعين)، كانت قد أخذتها من أحد الأعراس قبل أيام، ونسيت الموقد يعمل إلى أن جف وبدأت النيران تشتعل في القدر ثم إلى سقف المطبخ المصنوع من سعف النخيل، ونظرًا لقوة الرياح تنقلت النيران لكل بيوت الجارودية تقريبًا”.
وتتشابه روايتهما أيضًا في الأضرار، حيث أكد “المدن” أن أغلبها انحصر في “العرشان” أو أسقف السعف في أعلى الأسطح، كما دخلت للغرف وأغلب الحيوانات التي كانت تربى داخل البيوت والتي لم يتمكن المتطوعون الذين هبوا لإطفاء الحريق من إطلاقها”.
وعن السيدة التي توفيت بسبب الحريق ذكر أنها تدعى أم سلمان (سلام) عبد الرسول خليف، مشيرًا إلى أن كل عوائل الجارودية تقريبًا قد تضررت منه.
وليدة مضى بها العمر
من أبرز القصص التي تعلق في زوايا ذكريات الحاج حسن، نجاة أخته الوليدة، يقول: “أتذكر وقتها أن أختي الصغرى كانت مولودة وهي قد دخلت شهرها الخامس بعد الولادة، وكانت أمي قد أخذتنا معها إلى مكان آمن بعيدًا عن تلك النيران ونحن نشاهد تلك النيران فوقنا وكأنها سقف، وقد نجت ولله الحمد كما نجونا من ذلك الحريق وتبعاته”.
الوثيقة
من هنا بدأت شرارة الحريق كما يذكر الأهالي
صورة لخبر حادث الحريق منشور في جريدة اليوم