يستجيبُ الإنسان لنداءات فطرتهِ، ويتعلّق بتلك النداءات، بل ويعشقعُها حينًا، ولذا نجد تاء التأنيث العربية تتعلّق بالأطفال منذ صغرها، وتعيشُ شغفَها بأبسط تفاصيله، فتمارس أمومتها على دميتها، ومن يصغرنها سنًا، وتكبر ولا يزال في داخلها ذاك التعلّق؛ لتربي أبناءها فيما بعد، وأبناء إخوتها، وتنزل لمستواهم، وتندمج معهم في حياتهم ، وتتآلف معهم.
لقد أتبعت الفنانة الفوتوغرافية زكية حمزة أحمد العلوي، المنحدرة من بلدة أم الحمام في محافظة القطيف شغفها بالطفولة، الذي قادها لدربٍ يملأ داخلها بما تهواه، فاتجهت ناحية تصوير حديثي الولادة بعدستها الفنية، تشبعُ من خلالهِ قلبها الشغوف بالحنان الطفولي الذي تعيشه.
تقول: “إنّ الذي جعلني أهيمُ بهواية تصوير حديثي الولادة بالذات، أودلتهُ سلسلة من الحب، أولها حُبّي لأطفالي خاصة، ثم حُبّي للأطفال بشكل عام، وآخرها الحُب الذي أولدتهُ خبرتي بتربيتهم وطريقة اللعب معهم”.
وعن فلسفة حياتها الفنية والحياتية، بيّنت أن بوصلتها الحياتية جاءت من مثلٍ شعبي، رأتهُ منهجًا للإبداع وراحةً للحياة، هو: “حط كلب يحمي دارك، وقط ياكل فارك، ولا تعطِ بني آدم أسرارك”، معلقة: “حقًا، لا تعطِ أحدًا قط جدولك اليومي، ولا تفشِ أسرارك أبدًا؛ لتفتح نافذتك كل يوم، وتأخذ نصيبك من الضوء، فتنمو ثمار إبداعك ناضجة تسرُّ النظرين”.
الموبايل رفيق
توضح “العلوي” أن بدايتها في عالم التصوير نافذته جاءت من خلال التوثيق العائلي عن طريق الهاتف النقال، ليكون رفيقًا لها في سفرها، وفي طلعات العائلة، والمناسبات.
تقول: “إن الهاتف النقال ساعدني على ذلك من قبل دخولي بعد المرحلة الثانوية لمعهد تخصص برمجة حاسب آلي، حيث تعلمت هناك الكثير من البرامج، وطرق البرمجة، بعدها أخذت دورتين حضوريًا، واثنتين أونلاين، وفي كل دورة تتطور مهاراتي بشكل ملحوظ، الذي له الفضل أولًا وأخيرًا”، حتى مرت الأيام، ازداد شغفها باللغة التصويرية، فقامت بشراء كاميرتها الاحترافية الأولى.
عشق الطفولة
منذ صغرها، عشقها الطفولي، قلبها، الذي هام بالطفولة، يؤنسها، ويؤنس شغاف عدستها.
وعن الاستغراق الفني في تصوير حديثي الولادة، تحديدًا، تجيب: “إن ما جعلني أحب هذه الهواية بالذات، أولًا حبي الشغوف لأطفالي والأطفال بشكل عام، خبرتي في تربية الأطفال، وطريقة اللعب معهم، لذا عندما كنت في المرحلة الابتدائي، إخوتي الصغار دائمًا معي، أحب أن أذهب بهم للاستديو، وأوثق لحظاتهم”.
وأشارت إلى أنها الموكلة دائمًا بتوثيق لحظات العائلة، منذ أن كان عمرها ١٥ عامًا، وفي يديها هاتفها النقال، الذي لا يبارحها، كرفيق دقائقها، ووديع لحظاتها، في جيلها المعروف بجيل الموبايل، إلى الآن وعمرها ٣٢ عامًا، لا تزال توثق، ولا تزال تعشق الأطفال، وتلعب معهم من خلال عدستها، وأصابعها، والابتسامة البريئة.
وبينت أنها كانت في بدايتها تصور الأطعمة، والحياة الخارجية، والطبيعة، والآثار، بالإضافة للأطفال والمواليد، مشيرة إلى أن شغفها بالأطفال خصوصًا جعلها تتوجه لتصوير شخصياتهم، ليتذكروا أنفسهم عندما يكبرون، ليرون كم كانوا رائعين، فخورة أن تكون ذكراهم البريئة بعدستها.
وتضيف: “أجد نفسي في تصوير حديثي الولادة، لأنه يصهرني شعورًا، دافئًا بأمومتي في كل لقطة أقوم بأخذها ومعانقتها بكل كياني”.
القدوة والتخيل
وجدت العلوي في خالها الفنان الفوتوغرافي عباس الرضوان القدوة الحسنة، ليتعدى الأمر الأسوة الطيبة بداخلها، فيصبح الملهم الذي تستشرفُ الإبداع من خلال عينيه ورؤيته الفنية، يستفزُ طموحاتها، يؤطر حدود اللقطة، لتنصهر فيها، وتنبثق من بين أصابعها.
تقول: “خالي قدوتي وملهمي في بداياتي، كان يحب أن يقتني الكاميرات الاحترافية، فحذوتُ حذوه، ولكنّي في تصوير المواليد وجدتُ في عدة مصورين ومصورات بوصلة تعلم، إضافة للتغذية البصرية التي تكسبني الكثير”.
وتضيف: ” وكأي موهبة تحتاجُ من يسقيها، فقد حصلتُ على الشجيع من والدي والأهل وعائلتي، وخاصة أبي الذي كان معي منذ البدايات، فلكونهِ يحب أن يشجع أي مشروع، ويعشق تشجيع المنتجين، وأصحاب المشاريع الصغيرة، فقد كان الداعم الأول بحبهِ، وبتجاربه، وبانتقاداته وتوجيهاته، حتى في حل بعض المشكلات”.
واختزلت تجارب الآخرين كحال الفنانين أمثالها، وولّدت من خلال خبرتهم وثقافتهم وأبجديتهم نطقة انطلاق باتجاه أفق الإبداع، مكونة لها شخصيتها الثقافية والفنية المستقلة، لتنقش تجربتها بعد نتاج سنوات وسنوات، منوهة أنّ بدايتها كبدايةِ طفلٍ يستشعر العالم من خلال اللمس؛ ليكتشفه ويعيشه.
وعند سؤالها عن ماهية التخيل بالنسبة إليها أجابت: “إنّ تخيُّل الصورة له دور فعال وأهمية، فأنا أستحضرُ الصورة ذهنيًا بشكل ذكي؛ لأكوّن تفاصيلها الواضحة، وبعد ذلك أضع لمساتها الأخيرة في عمقي؛ لأضغط على الزر، كابتسامة الأطفال مثلاً، أو بكائهم، وانفعالاتهم”.
وتابعت: “عند رؤيتي لمنظر طبيعي، أو شخصية كرتونية، ينتابني التخيّل؛ لأبحر في نوعية الملابس، بأنها لو كانت بحجم مولود، كيف ستكون مع الإكسسوارات التي تتناسب والعمل، فأتستجدي من خلالها فكرة، أو من خلال رؤيتي للاكسبلور، أو عبر صور المصورات المحترفات، أو من مخيلتي المحضة، وما يلهمني في البيئة الخارجية، سعيًا إلى تحقيقها”.
براءة ورزق
موقف مضحك، عندما رأيت أول مولود في الدورة التدريبية، وهو يجلس على كرسي بحجم الكف، ويضع يده على خده لوحده، كانت مضحكة جدًا، وسعيدة لي.
وذكرت أن أبرز الصعوبات التي واجهتها تكمن في أنها أحيانًا تتعب في التفكير أو البحث، وتكوين الصورة، لترى ذات لحظة من الوقت، من سبقها فيها، لترجع قليلًا خطواتها عن تنفيذها، ليعود التصميم بتطوير الفكر، وإشباعه، لتكمل العمل.
وأضافت: “كذلك، عندما أبصر من يقلد أعمالي، ولكن أقوم بتدوير الحالة السلبية من وقعه، لزاويته الإيجابية، لأقول دائمًا؛ من قلدني، فإنه يثبتني، للمضي قدمًا باتجاه طموحاتي، وتسلق القمم الشماء، وكل له رزقه، ولن يأخذ الإنسان في هذه الحياة إلا نصيبه”.
وفي الصعيد ذاته، أشارت إلى أن مشروعها يكمن في إنشاء ستوديو منزلي، وليس تجاريًا، الذي كان اسمه في البداية “تكوين”، مأخوذًا من فكرة تكوين الصورة وإخراجها.
وتابعت: “حكاية الاسم جاءت عندما بدأت جديًا بالتفكير في مشروع خاص بالتصوير، لذا استعرت ما يسمى تكوين الصورة، ليكون اسمه “ستوديو تكوين”.
وذكرت أنها بعد ذلك قامت بتغييره على ستوديو زكية فوتوغرافي، تمارس من خلاله شغفها في تصوير حديثي الولادة.
في داخلي طفل
وجاءت ياء الأبجدية في حديثها، مع «القطيف اليوم»، عبر نصيحة تقدمها إلى المبتدئين في هذا المجال، بأن يأخذوا دورات، وورشات عمل، وعدم التوقف عن التعلم، وممارسة التصوير، فإن الممارسة مران، ينتج عنه التمتع بالخبرة، عبر ثقافة التعلم من نافذة الصواب والخطأ.
وشددت على أهمية تفعيل حب الاستكشاف، والاختراع، تنمية النظرة الابتكارية، ونسجها إبداعيًا، من خلال مخيلة واسعة ينبغي أن يتمتع بها المصور، وتطويرها كل حين.
تقول: “كنت أنمي موهبتي بالتعليم الذاتي بالعالم الافتراضي، أيضًا من خلال تصوير المودلز بالمجان، الذي يتم طلب عن طريق الإعلان في وسائل التواصل الاجتماعي، وأحيانًا يكون بدفع رسوم “مبلغ رمزي”، لممارسة موهبتي دومًا، فلا انقطاع عنها”.
وأوضحت أن الصورة الناجحة تكون متناسقة في حضورها البصري، تتسم بنضوج الفكرة، والتركيز على الطفل، تحديدًا وجهه، فإن الطفل هو أروع إنتاج للصورة – بحسب قولها.
وأكدت أن الفنان الذي يصور الأطفال، فنان ناجح، مميز، وبداخله طفل، لم يكبر بعد.