لماذا الأسواق الجائلة؟

فعلاً هو سؤال يطرح نفسه وبحيادية، بالذات الآن وبعد فترة ليست قصيرة على توقف عجلة الحياة وعلى حركة الاقتصاد خاصة، والذي كان لزاماً أن يعود للدوران لتدور معه الحياة مرة أخرى.

هناك طبقة من الناس أثر فيهم هذا التوقف تأثيراً بالغاً ولا يزال، بحيث أنه استعصى عليهم حتى توفير قوتهم الزهيد فقط ليعيشوا لحين انفراج الأزمة، ولا ندري ما الذي سيكون عليه حالهم بعد ذلك وهم الذين يكدون كداً مضنياً حتى يتحصلوا وبالكاد على الريال من أجل شراء رغيف خبز يطعمون به أنفسهم وعيالهم.

من هؤلاء الباعة الجوالة في أرض الله الذين يتنقلون بين بلدة وأخرى في منطقتنا العزيزة، وهم يحملون بضاعاتهم المتواضعة يسترزقون مما يتفضل عليهم ربهم عز وجل به، ولا يكادون يتوقفون طوال فصول السنة ومع تقلبات الأجواء والتي ربما يأتي أسوأها على بضاعاتهم أحياناً ويتلفها كاملة.

القطيف أثبتت ولا تزال تثبت في المعركة مع الجائحة رغم ما تكلفته أنها في مقدمة المناطق التي تتبع التعليمات الصادرة وتنفذها تماماً، وأن المواطن فيها متعاون مع جميع الجهات المسؤولة، خاصة البلدية التي تعنى بشؤونه اليومية الضرورية، ونحن هنا نشيد كما فعلنا سابقاً في مناسبات مختلفة بهذا القطاع الحيوي الذي تحمل ويتحمل الكثير وقت الجائحة وغير وقتها.

ولقد أثبتت بلدية المحافظة بجميع فروعها تحت رئاسة المحترم المهندس محمد الحسيني جدارة لافتة في إدارة الأزمة نقدرها لهم ونشكرهم عليها كثيراً، وحق أن يكرموا على قدموه ويقدموه، تماماً كما الجهات الأخرى، وكما فعل المواطن أيضاً ولا يزال من الالتزام وتطبيق الاحترازات واتباع ما يصدر أولاً بأول، بل إن هذا المواطن ورغم رفع الحظر الكلي زاد من احترازه وحيطته مع ذويه ومن يعنيه بالحظر والحذر ولا يخرج إلا للضرورة القصوى رغم فسحة الوقت والأمكنة، وهذا دليل مطَمئن على وعيه وإدراكه لخطورة الموقف.

يستطيع أي مراقب أن يطلع على ذلك بأم عينيه فلا أحد يجول في الشوارع دون حاجة، وقد اختفت أو قلت مظاهر التجمعات التي نخشى منها وقلت الحركة كثيراً ليلاً ونهاراً، ويمكن لهذا المراقب أن يمر على جميع المحلات التجارية ليراها جميعها وقد راعت التعليمات كاملة ووفرت ونفذت جميع ما هو مطلوب منها من مواد وتعليمات وقائية.

الأسواق الجائلة ليست بالخطورة التي يتصورها البعض والمواطن البسيط الذي يرتزق من خلالها لا بد أنه يعي ما يمر به العالم كله وهو مثل غيره يحترز ويعود بحذر ويخاف على حياته وحياة من معه وحوله، وإننا نسأل هنا بالمناسبة: ما هو الفرق يا ترى بين الأسواق الجائلة والمجمعات التجارية، فهي تجمعات سواء هنا أو هناك بل نجزم وبحيادية أن الجائلة أكثر أماناً وسلامة من المجمعات المسموحة والتي تكتظ بالمتسوقين ليل نهار وتحت سقف واحد ومكان محصور مهما كان حجمه، بينما الأخرى الممنوعة في فضاء مفتوح وفي الهواء الطلق والتباعد فيها واضح، وأن روادها أقل بكثير ولا يقاسون برواد المجمعات والأسواق الأخرى، والأهم أن الوقت فيها محدود ولا يتعدى ثلاث إلى أربع ساعات على أبعد تقدير، وأن أعداد المتكسبين فيها محدود ومحصور أيضاً، وهم أنفسهم الذين يتجولون ببضائعهم بين البلدات.

ويمكن بسهولة توجيههم لاتخاذ الاحترازات اللازمة والاحتياطات الوقائية بدل منعهم منعاً مطلقاً، والبلدية تستطيع تنظيمهم إن أرادت وهي التي بطواقمها قد أبلت بلاءً حسناً في هذا وأجادت ممثلة في موظفيها مراقبة وضبط حركة الأسواق على اختلافها، ولا نظن أنه يصعب عليهم تنظيم الحركة للباعة المتجولين والمتسوقين الأقل كثيراً من متسوقي المجمعات أو حراج سوق السمك أو سوق الخضار أو الأسواق المختلفة.

مراعاة الناس وحمياتهم هي من أولويات البلدية بلا شك، كما هي الجهات المسؤولة الأخرى تفادياً للإصابة، ولكن دراسة أوضاع هؤلاء وإيجاد مخرج لهم ليستمروا في تحصيل لقمة عيشهم ضرورة قصوى وملحة أيضاً نتمنى على البلدية ممثلة في رئيسها المحترم المهندس الحسيني أخذها بالاعتبار وإيجاد آلية تتوافق ما بين حماية الناس وتقدير أوضاع هؤلاء الذين ليس لأكثرهم طريق آخر لتحصيل أرزاقهم المتواضعة وهم بين حرارة الصيف وبرودة الشتاء القارص وبين هذا وذاك التعب والجهد والعناء وما يتكبدون كل يوم جراء ذلك.


error: المحتوي محمي