(وفي الصدر لبانات إذا ضاق لها صدري نكت الأرض بالكف وأبديت لها سري فمهما تنبت الأرض فذاك النبت من بذري)، نعم ضاق الصدر واستوحش القلب لفقد الأعزة وكلما كان الفقيد صاحب ملكات نفسانية عالية كلما كان فقده أكثر إيلامًا وحسرة وكذلك كان فقيدنا الذي أوحش دنيانا وإذا بالروح تشقشق بهذه الكلمات وفاء لحقه ونشرًا لذكره الطيب الحسن.
نعم إنه الفقيد الغالي العم الحاج جعفر علي صالح المعلم (أبو موسى) أنار الله ضريحه وعطر مرقده وحشره مع من يتولاه مع محمد وآل محمد عليهم السلام.
وما عسى المرء أن يقول في مثل هذا الفقيد العزيز الذي حوى جمعًا من الفضائل والسجايا الغر التي يشهد له بها كل من عرفه فهو خير مثال للمؤمن العامل صاحب الخلق الجميل.
فقلبه مليء محبة لمحمد وآل محمد عليهم السلام فهو الذاكر لهم صباحًا ومساء المتردد في مجالس ذكرهم والمتفجع لمصائبهم خاصة مصيبة الزهراء عليها السلام والتي كان يقيم مجالس مصيبتها في منزله سنويًا.
وهو ذاك الوله القاصد إلى زيارتهم فلا يخلو منه موسم إلا وتراه منكبًا على ضريح الحسين عليه السلام أو مقارب الخطى بين حرم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والبقيع أو هناك عند بعيد المدى وضامن الجنان لذا كان يتحسر في أواخر عمره أن عاقه وضعه عن لثم أعتابهم عليهم السلام فكأني بهم تلبية لاشتياقه إليهم أسرعوا بدعوته إلى جوارهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر فسرعان ما لبى النداء لتسعد روحه وتحلق في سماء عظمتهم بل لترافق جعفر الطيار عليه السلام في الجنان الذي اعتاد الفقيد العزيز على زيارته وعشقها بل كان من المنظمين الرئيسيين لحملة زيارته السنوية.
أما عمله الدؤوب لخدمة الدين والمؤمنين فهو من نافلة القول وأشهر من أن يعّرف فهو ذاك الساعي في البذل والعطاء والسخي الجواد الذي لا تعرف شماله ما أنفقت يمينه. سخاء تسأل عنه الأوقاف التي ساهم فيها والمشاريع الخيرية المختلفة التي عرفته من روادها وسعيه في قضاء حوائج المؤمنين وإصلاح ذات البين ولهذا نسأل الله سبحانه أن يؤتيه ما وعدنا به آل محمد عليهم السلام فقد ورد عنهم “من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله عز وجل له يوم القيامة مائة ألف حاجة”. وهذا ما كان ليتم لولا نقاء سريرته ومحبته للناس النابعة من قلب طيب مطمئن عامر بالإيمان لم يعرف الضغينة أبدًا.
(خياركم أحاسنكم أخلاقًا الذين يألفون ويؤلفون)
القلوب تهفو إلى كل ما هو جميل وتميل إلى من يذيقها حلاوة المعاشرة فما أن ترى النفس حسن الخلق وطيب الحديث وطلاقة المحيا والملاطفة ولين الجانب حتى تهفو إلى صاحب هذا الخلق الرفيع. وهذه الملكة تسأل عنها ابتسامة أبي موسى التي كانت لا تفارق محياه يستقبل بها جميع من عرفوه والبشر الذي ينشرح له صدر كل من عاشره ولذة الحديث التي يشتاق إليها كل من جالسه.
(خيركم خيركم لأهله)
طبيعة المرء وسجاياه الحقة تظهر عند أهله لأنه في الخارج قد يتصنع ويجامل رعاية لسمعته أما داخل منزله فلا يوجد ذاك المحذور. وهنا تتجلى عظمة الفقيد العزيز فكان كما هو لأنها سجايا عجن بها وجبل عليها لا تتبدل أو تتغير باختلاف المكان أو الزمان فكان في منزله كالخيمة التي يستظل بها الجميع والشجرة التي تغدق بالثمر على من حولها هشًا بشًا يؤنس الكل بطيب المعاملة يدخل الفرحة معه إذا أقبل ويوحش أهله إذا افتقدوه كثير الدعابة خاصة مع الصغار (ما من مؤمن إلا وفيه دعابة وقيل: ما الدعابة؟ قال: المزاح) فكان يمزح بعيدًا عن سفاسف القول فكان مصداق (مزاح المؤمن عبادة) ولذا أوحش الجميع فقده فرحمه الله بعدد كل خطوة مشى بها لزيارة محمد وآل محمد عليهم السلام
وغفر الله له بعدد كل قطرة دمع سالت على خديه في مصائب آل محمد عليهم السلام ووسع الله عليه بعدد كل خير بذله في سبيله ورفعه الله درجات بعدد كل آية تلاها في كتابه الكريم
وزاده الله حسنات بعدد كل ابتسامة تصدق بها..
وداعًا يا أبا موسى إلى حياض الكوثر..
وداعًا يا أبا موسى إلى جنة المأوى..
وداعًا وإلى الملتقى بجوار محمد وآل محمد يا صاحب القلب الرؤوف يا من كنت تذكرني بأبي وإنا لفقدك لمحزونون.
الفاتحة إلى روحه الطاهرة.