أمم تأتي وأمم تذهب.
أمم تتطور وأمم تظل متخلفة في مجالات مختلفة.
السؤال المحير؛ لماذا بعض الأمم ترزح تحت التخلف المزمن.
مهما وضعت من سبب على أنه مقنع فبالإمكان نقضه.
فلو قلت إن الأمم ذات الموارد الاقتصادية المحدودة بادئ ذي بدء ستكون متخلفة..
بسهولة ستتمثل لك سنغافورة وتنقض السبب.
ولو قلت إن الدول المتطورة فيها عقول.. فلا تستطيع أن تقنع نفسك بأن العقول محجورة على أمم دون غيرها..
واطلع في ذلك على ما يسمى الـnormal distribution curve، الذي يحكم الظواهر الطبيعية.
وقس على ذلك كل ما يرد في ذهنك من أسباب قد تكون ظاهريًا هي سبب التخلف.. واقرأ التاريخ وستجد من الأمثلة ما يناقضه.
و لا تقل لي إن إرادة الحكام هي سبب تخلف الأمم..
فلا يوجد حاكم لا يريد أن يقود أمة متطورة..
إن كان عادلا فلشعبه.. وإن كان غير ذلك فلنفسه ليزهو بحكم دولته المتطورة.
وستجد في التاريخ من الدول التي حكمها الديكتاتوريون والجشعون الكثير وكانت دولهم متطورة مقارنة بعصرهم.
فالموضوع ليس سياسيًا البتة.
ولا يختص بدولة ما.
لن أطيل عليك عزيزي القارئ.
مهما حاولنا أن نلف ونبحث سنقع في شيء واحد لا يمكن نقضه.. وأنا أضعه للقارئ.. ومن حقه أن يبحث أو يقرأ في تجارب الشعوب أو يقارن تجاربه في الحياة ليوافق أو يرفض.
إنهم خفافيش الظلام.
في جميع المجالات قد تجد خفافيش الظلام.. تتغذى على حساب الأمم ولا يهمها غير مصالحها الشخصية..
من مواصفات هذه الخفافيش.. كلها أو بعضها:
١/ حب الكرسي واللهث وراءه حتى في ظل عدم الأهلية.
٢/ الوقوف بشراسة في وجه أي أفراد أو مشاريع من شأنها أن تضع لبنة في سلم تطوير الأمم.
لأنهم يعلمون أن لا مكان لهم في غير بيئة الفساد.
٣/ التمحور حول الذات وبعدي الطوفان.
٤/ السطحية التي ترى الأمور ثنائية الأبعاد.. فيغيب البعد الثالث والرابع.. فالعقول التي همها المناصب والأكل وزخرف الحياة وزينتها لا يمكن أن تلتفت مثلًا لوجع الآخرين ولا مقدرات الأجيال القادمة.
٥/ يأخذون برأي الجاهل على حساب العالم..
وأقصد علماء الطب والهندسة والاقتصاد وغيرها من العلوم البشرية..
ولا أقصد علماء الدين في أي أمة.. فذاك معتقد شخصي.
إن أخذ رأي الجاهل يهدف إلى تحجيم العلماء وتهميشهم حتى لا يعطون فرصة يصدعون بها رأس الخفافيش ويفسدون خططهم.
٦/ لا حياة لمن تنادي.. حتى حين تقدم لهم أمرًا لا يختلف عليه اثنان يتم تجاهله وإن كان غير مكلف.
باختصار لأنهم لا يريدون أن يفتحون بابًا لغير أنفسهم.
٧/ استعمال حق القوة وليس قوة الحق.
إساءة استعمال السلطة ديدنهم لمحاربة كل من يتجرأ حتى على محاورتهم.. تلاحقه العقوبات حتى غير المستحقة ومحاولة تصيد الأخطاء لإسكاته وليكون عبرة لغيره.
في المقابل لا يعاقب المطبلون لهم أو الساكتون حتى لو أخطأوا.
٨/ التلاعب بالأنظمة وتفسيرها حسب أهوائهم، والالتفاف على أي نظام يناقض توجهاتهم.
٩/ ابتلاع الأموال التي قد لا يستحقونها..
وقد تجد أسماءهم في أول قوائم المكافآت.
وقد يلجأ بعضهم للسرقة إن وجد فرصة وخاصة من المال العام مستعملًا مداخل الفساد.
١٠/ انتهاز الفرص وخاصة الجبانة مثل استغلال زمن الحروب والأوبئة لتحقيق مكاسب شخصية بشتى الطرق مثل:
* احتكار السلع.
* الابتزاز.
* إساءة قيمة أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة لتمرير أطماعهم الخاصة.. ولا أقصد هنا بالضرورة المعركة الحربية بل ربما انتشار وباء أو وجود كوارث أو غيرها.
١١/ الازدواجية.. عملهم يميل مع ريح المصلحة: مال، نساء، تسلط، إلخ..
فتحصل الازدواجية الحتمية.
١٢/ كهف الخفافيش المظلم: وهو الأهم.. إنه كهف حصين ممنوع دخوله إلا للخفافيش.. محاط بالسرية واجتماعات المصالح وكيفية قنص الفرص والفرائس وتأديب المخالفين..
كهف نتن، كل من يدخله يتدنس برائحته.. ويجد نفسه مضطرًا للتوقيع على ما هو غير مقتنع به ليتوافق مع خصوصية سكان الكهف؛ لذلك لا يتحمل البقاء فيه الأنقياء.
الجدير بالذكر أنك قد تجد بعض المجالات متطورة في إحدى الأمم.. بينما مجالات أخرى متخلفة.
ابحث جيدًا وقد تجد أن المتخلفة منها تكثر فيها كهوف الخفافيش.
هذه الكائنات التي تتعلق وأرجلها للأعلى، ورؤوسها للأسفل.. وتتلحف برداء أجنحتها التي قد تعني القدسية أو الشعارات الكاذبة.
وأخيرًا عزيزي القارئ.. إذا أردت أن تتحقق من صحة ما ورد في المقال.. فالتجربة خير برهان.
فقد تجد في بعض الدول وبعض المجالات المتخلفة: التجارة، والصناعة، والإعلام، ورجال الدين الفاسدين، والصحة، والعقار، والرياضة، إلخ.
فقط ارم حجرًا في كهف من تنطبق عليهم.
النتيجة الحتمية: سيتطاير في وجهك خفافيش الظلام.