استهوتها تلكَ الرائحة التي ترجعُها لذاك المكان وذاك الزمان، حيثُ مطبخ والدتها وتلك البهارات بيديها، وروائح شتّى ما بين الهيل والدارسين والفلفل الأسود والكمون والكزبرة والزنجبيل والقرنفل، وغير ذلك الكثير، رائحةٌ سكنتها أعوامًا؛ لتعيش معها وتجذبُها لعالم روائح التوابل والمنكهات، ولتصبحَ مع الوقت هوايتها المحببّة وربُّما الوحيدة، فلقد عشقت أمل آل رضي البهارات وأحبتها الحب الذي كان يدفعُها لتحليل ومعرفة محتويات كلّ بهارٍ تقع عيناها عليه، وكيفية استخدامه وتجربة الخلطة تلو الخلطة، حتى بدأت تقرأ وتبحث وتطّلع وتطوّر نفسها، لتفتح مشروعها الصغير “بهارات النرجس” من منزلها بالجارودية بكل حُبٍّ وخُطىً واثقة، وحاسةِ شمٍّ تعرفُ كيف توصلُ ما تشمّهُ لزبائنها بكل إبداعٍ وتمكّن.
النرجس
دخلت البهارات حياة أمل المنحدرة من بلدة العوامية منذُ سنواتٍ ممتدّة، فقد ورثتها من والدتها الذائقة للتوابل والبهارات بأنواعها المختلفة، حتى أصبحت تحرصُ على تجربة كل أنواع البهارات، وشراء كل نوعٍ جديد يجذبها برائحتهِ أو مسمّاه، لكّنّ زوجها المنحدر من بلدة الجارودية كانَ ذراعها اليمنى في مهنتها هذه، فقد شجّعها عليها ودعمها، ولم تكُ تخطو خطوة واحدة إلا باستشارته، وبحكم خبرتهِ الجيّدة لكونهِ خريج تسويق، فقد شجعها لافتتاح المشروع، لكنّها كانت مترددة في الإقدام على هذهِ التجربة، وبثقة الزوج بزوجته استطاع أن ينقل لها تلك الثقة، لتفتتح مشروعها ” بهارات النرجس” قبل تسعة أشهر تقريبًا.
وافتتحت بعد ذلك حسابها على “إنستجرام”، وبدأت في استقبال طلبات الزبائن، ولا تغفل أبدًا مهما كانت متأكدة من جودة ما تبتكرهُ من خلطات، أن تأخذ برأي والدتها في كل خلطةٍ جديدة تبتكرُها، فهي لا تستغنى عن إرشاداتها ونصحِها، فخبرتها مع البهارات لا يُستهانُ بها.
طعمٌ ورائحة
وحول سؤالها عن الاختلافات بين البهارات المنزلية، والبهارات المعروضة في السوق، قالت “آل رضي” لـ«القطيف اليوم»: “البهارات من أهم المنكهات التي يتم إضافتها إلى الطعام، فهي تُضفي عليه النكهة الجميلة والطعم اللذيذ، إضافة لقيمتها الغذائية أيضًا، وبالطبع هناك فرقٌ كبير بين المُنتجين، فالبهارات المنزلية هي الأحسن من ناحية الطعم والرائحة القوية والقيمة الغذائية أيضًا، وبدون أية مواد حافظة وهذا هو الأهم”.
وأضافت: “هذا الاختلاف يمتدّ أيضًا ليشمل البهارات من منطقة إلى أخرى، اختلافٌ في الرائحة والطعم، بل والجودة كذلك، ولذلك أنا حريصة كلّ الحرص على اختيار أفضل وأحسن وأشهر الأنواع والتي تمتاز بالدرجة الأولى، فحتّى أنُتجَ شيئًا مميزًا وناجحًا، من الضروري اختيار أجود الأنواع، ولذلك أيضًا أقصدُ محلات الجملة الكبيرة التي توفّر جميع الأنواع من جميع المناطق”.
معادلات
وتعتمدُ آل رضي على معادلاتٍ معينة لإنتاج كلّ نوع من أنواع البهارات، فكل صنفٍ لهُ ميزة يختصُّ بها، وقد ساعدها الاطلاع والبحث والتوسّع في الشبكة العنكبوتية على تعزيز مهاراتها في ابتكار الأصناف الجديدة الخاصة بها، فكانت في كلّ مرةٍ تجرّب وتطبّق ما تقرأ إلى أن تصل للخلطة المطلوبة وطعمها المميّز، وكلّما نجحت في خلطةٍ ازدادت حماسًا ورغبةً في إنتاج خلطةٍ جديدة، ومع كلّ هذهِ التجارب تمكّنت من إنتاج جميع أنواع البهارات القديمة والحديثة والخاصة بالطبخات المستحدثة أيضًا.
وأنتجت أولّ بهارٍ بيديها وهوَ بهار “البهارات السبعة”، والتي كان إنتاجها هو الخطوة الأولى لإنتاج كل أنواعها المتتالية، وإنتاج جميع الأنواع بعدها بفضل الله، وكان من بينها “خلطة النرجس” الخاصة بها.
لا غبار.. ورائحة نفاذة
وعن سؤالها عمّا يجذبها للبهارات، أجابت لـ«القطيف اليوم» بقولها: “النظافة ثمّ النظافة، فلا تكون البهارات مغبرةً أو بها شوائب، وأن تكون قوية الرائحة، وجودتها عالية”.
وأردفت:”استخدمتُ في بداية مشروعي ماكينةً صغيرة، واستطعتُ بعد توسّع عملي أن أشتري ماكينة أكبر تساعدُ آلتي الأولى، ومن خلالها أنتجتُ أصناف البهارات القديمة والحديثة، فقد بدأتُ عملي بالأنواع الأساسية وهي اللحم والدجاج والسمك والروبيان، ثم بدأتُ في تطوير ما أصنع، فصنعتُ بهار الشاورما الذي ينفع للدجاج عمومًا والفاهيتا والماسالا، وبهارات السبايسي وبهارات المندي والمجبوس، وكثيرٌ من الأنواع، وإلى الآن ما زلتُ أبتكر خلطاتٍ مميزة ومختلفة ومتنوعة”.
كبسة وبرياني
وتذكرُ أم عبد العزيز أنّ هناك بهارات أساسية للحم والدجاج والسمك والروبيان، بيْدَ أنّ كلّ نوعٍ يعتمدُ على معادلة معينة، ومن الممكن عند إعداد طبخةٍ معينة كالبرياني والكبسة والمجبوس استخدام البهار الأساسي لنوع اللحم سواءً أكانت لحومًا بيضاء أو حمراء أو لحومًا بحرية، مع استخدام وإضافة البهار الخاص بالطبخة.
ويتفاوت الزبائن في طلبهم للبهارات، لأنّ البهار ذوق، وكل شخص يطلبُ ما يتلاءم مع َذوقهِ الخاص، فهناك من يطلب البهارات الحارة ومن يطلب البهارات الباردة، ومن يطلب البهارات القوية، فالمسألة أذواق.
شروط
وتُوصي “آل رضي” باشتراطاتٍ خاصة للمحافظة على رائحة البهارات دون تغيير، فمن المهم المحافظة على البهار نفسه، وعدم تخزينهُ في مكانٍ حار، أو تعريضهُ للرطوبة نفسه، وللعلب المستخدمة أيضًا دورٌ كبير في المحافظة على نكهة البهارات، وإبعادهُ عن الماء والزيت اللذيْن يفسدان البهار بصورة سريعة.
طقوس
وتحرصُ كذلك على الالتزام بعاداتٍ معينة عند إعداد البهارات بعد تنظيفها وإزالة الشوائب أو الأخشاب منها، ابتداءً من لبس الماسك حفاظًا على الجهاز التنفسي، وخلط البهارات في مكانٍ مخصص لذلك، كما أنّها تحرصُ على إعداد البهار المطلوب من الزبون عند الطلب؛ حتى تكون البهارات طازجة ورائحتها قوية لكونها طُحنِت للتو، مع أنّ هناك بهارات قاسية كالجلجان تأخذُ وقتًا في طحنها، لكنً هذا لا يمنعها من البقاء على ذات المبدأ وهو “البهارات الطازجة”.
توصيل
لم تُشارك “آل رضي” في أية نشاطات اجتماعية أو مهرجانات خاصة بالمنطقة، لكونِ مشروعها جديدًا ولم يتجاوز العام، لكنّها تنوي مستقبلًا المشاركة عبر هذهِ الفعاليات، ليتوسّع مدخولها أكثر، ولذلك أيضًا فقد أطلقت تجربتها الجديدة قبل أسابيع قليلة، والمتمثلّة في استعدادها لتوصيل بهاراتها للمطاعم والملاحم والشركات، إضافةً لخدمة التوصيل لمناطق المملكة، وقد أخذوا منها عيّنات من الأنواع المختلفة للتجربة، وتتمنى أن تكون عند حسن الظن.
وتابعت: “أدرسُ حاليًا أيضًا إقامة دورات تدريبية اعتمادًا على خبرتي في مجال صنع البهارات للمهتمين بهذا الجانب أو المبتدئين فيه، وهناك عروض كثيرة أتلقاها عبر تطبيق الواتساب بعمل دورات أون لاين، لكنّ صناعة البهار تحتاج للتطبيق العملي، وقد بنيتُ خطةً للأيام القادمة لافتتاح مجال للدورات وتعليم طُرق وأساسيات العمل بها”.
شركة النرجس
وعن طموحها في هذا المجال، سردت “آل رضي” أحلامها لـ«القطيف اليوم» قائلة: “طموحاتي كثيرة في هذا المجال، وأعظم آمالي أن يكون عندي شركة كبيرة في عدة مناطق في المملكة تحملُ اسم شركة بهارات النرجس، وتتوفر فيها جميع المعدات التي أحتاجها من مرحلة البداية وطحن البهار إلى المرحلة النهائية وهي التعبئة والتغليف، ويكفي أن أضع أمامي العبارات التشجيعية التي أسمعها من وزوجي ومن أمي الله حفظهما الله تعالى لي، لأتأكد من أنّني قادرة على صنع أفضل وأجود أنواع البهار، فيكون حُلمي مستمرًا معي لحين تحقيقه”.
وختمت حديثها مؤكدة: “عندما يحب الإنسان شيئًا سيبدع فيه وينجح، فالنجاح من أجمل ما ينتظرهُ الإنسان في حياته، وبكل أمر من أموره الشخصية، وفرحتهُ بهِ لا تقدّر بثمن، ولا تُكال بمكيال”.