محمد البدر.. ذلك الصامت الناطق

مناسبة واحدة فقط كانت كفيلة بأن تربطني بالأستاذ محمد البدر، علاقة صداقة قوية لاتزال تكبر وأتمناها أن تدوم كما أتمنى أن يكون للبدر نفس الشعور وهو ما أعرفه منه.

لم تكن بداية الاجتماع به جميلة حيث أتت على إثر حادث التفجير الذي هزَّ القديح الوادعة آنذاك لتصبح بعدها هذه البلدة قبلة الوفاد من مختلف أبناء الوطن وخاصة المتطوعين الذين كان الأستاذ البدر في طليعتهم وواحداً ممن وطنوا أنفسهم وشمروا عن سواعدهم، ووقفوا معنا وقفة الرجال.

من بين ما أخبرني به أنه حين قدِم في ذلك الوقت لم يكن يعرف أحداً بالخصوص تقريباً، وكان يتفرس وجوه الفاعلين، يبحث عن شخص يتعرف عليه ويعرف نفسه له، ولم يكن ذلك الشخص المحظوظ سواي حين أغراه مظهري ولم يخيب ظنه مخبري كما يقول هو والعهدة عليه، وسرعان ما تعارفنا وكأننا على موعد مسبق، ولا أخفي أنني أكون حذراً عادة من العلاقات المفاجئة، ومن الذين يقحمون أنفسهم بلا مقدمات في أي مناسبة ومع أي أحد ولكن مع هذا الرجل نسيت الحذر، وسبحان من أنسانيه، فما هي سوى لحظات، حتى انطلقت بنا الأقدار لتوصلنا لما صرنا عليه الآن.

بدأت بعدها تتضح ملامح الرجل التي تبدو غامضة لمن لا يعرفه أو يجيد فك طلاسمه، ولا أنكر أن شخصيته مختلفة عمن أعرفهم، ولكن لا تلبث إلا أن تقدر له طبيعة تعامله وملامحه الجادة الظاهرة والتي تختلف عن طبيعته الإنسانية الجميلة جداً.

هذا الإنسان الصامت كما يخيل للكثير شغوف جداً بالعمل الاجتماعي وملمٌ كثيراً بتنوعه ومحيط بمعظم الفاعلين الاجماعيين في محيطنا القطيفي فضلاً عن مختلف أرجاء الوطن نظراً لطبيعة عمله الإعلامية الرسمية والتي تحتم عليه الانتقال المناطقي، ولهذا من الصعوبة أن يضرب معك موعداً إن أردت لقاءه، فهو الذي يحدد، أو يتصل بك لتلتقيه على حين فجأة ولا يسعك سوى الترحيب.

لهذ لا عجب أن تقرأ أو تسمع اسمه وهو يكرم هنا أو هناك أو ينال الشهادات الإعلامية أو المجتمعية على اتساع بقعة الوطن، رغم أن حضوره في مواقع التواصل يعد حضوراً نسبياً قياساً بالزخم المفرط الذي نراه على مدار الساعة من مختلف شرائح البشر، ومن اللطيف أنه حين يكتب القليل على صفحته في الفيس بوك مثلاً ترى التعليقات المختلفة، رغم أن ما يكتبه لا يتعدى السطر الواحد. أتذكر أنه في إحدى المرات كتب “.” أي نقطة في صفحته فانهالت التعليقات يحاول أصحابها معرفة معنى هذه النقطة وتخمين معناها وهو للآن لم يفصح ولن يفصح؛ لأنه ببساطه لم يكن يقصد شيئاً سوى انتظار ردة الفعل الكبيرة التي توقعها وهو ما حصل فعلاً.

التهنئة ليست جديدة حتى نقدمها لك أيها الرجل المعطاء، ولم تعد غريبة، وربما ضقت بالشهادات الممنوحة حتى كأنك لا تجد لها اتساعاً وأدعوك لأن تضعها في مجلسي ليتزين بها وثق أني سأحتفظ بها ولن أجيرها لصالحي، وقد خُتمت أصلاً عن استحقاق بختم العرفان ومهر الجدارة والتألق والذي لايزال يسطع على صفحات تاريخك الناصع، والقادم كثير ومثير منك يا صديقي.


error: المحتوي محمي