فرض ذاته بذاته، صوت جوهري دخل القلوب، حضور روحاني، عمق وخشوع وتميز، اسم متصدر في كل محفل عرفه الرجال والنساء والأطفال، وأثنى عليه المشايخ والخطباء، شخصية صداها واسع في كل مكان، تعلم القرآن الكريم منذ صغره، مارس القراءة بشكل مستمر فأصبح من أبرز رواديد المنطقة.
ذاع صيت أحمد أمين الهاني، المنحدر من مدينة صفوى، في أنحاء المنطقة، بل وامتد لأكثر من ذلك، وكان اهتمام والده، رحمه الله، سببًا في المركز المتألق الذي ناله.
خطوة البداية
بدأ السير خطوة خطوة منذ أن كان في السابعة من عمره، حيث التحق بمركز القرآن الكريم، وبفضل متابعة والدته الدائمة له حفظ أجزاءً منه وتعلم التجويد على يد كفاءات من كبار المعلمين، واستمر التطور في حياة “الهاني” فانتقل من حلقة الحفظ لحلقة التلاوة بمسمى المقامات القرآنية وتفوق بجدارة بتقدير ممتاز.
لم يتوقف ولم يكتفِ بهذا القدر من النجاح، بل واصل الطريق وتابع التميز منتقلًا إلى دورة مقامات موسعة، أبدع في هذا المجال فأصبح مشاركًا فعالًا في الأمسيات والمحافل الدينية والمسابقات القرآنية، حتى رشح لقيادة حلقة قرآنية في تعليم المقامات للأشبال، وبالرغم من صغر سنه آنذاك إلا أنه نال إعجاب الأهالي بشكل كبير.
القدوة
استحوذ على فكره تأثره بسماحة الشيخ حسن الخويلدي، وكبار الخطباء البارزين، وإتقانه تقليد الأطوار الحسينية التراثية، ما جعل الرثاء والمشاركة في مآتم أهل البيت عليهم السلام حلمًا يصبو إليه.
الفتى الرادود
بدأ ذاك الطفل يكبر بمرور الأيام وصولًا للمرحلة المتوسطة، فبدأ كرادود حسيني وهو في الصف الأول المتوسط، حين كان ابن الثالثة عشرة من عمره، بدأ بمشاركات بسيطة ويومًا بعد يوم أصبح مشاركًا بقراءة النواعي والقصائد الحسينية والأدعية المأثورة في مساجد وحسينيات مدينة صفوى لسنوات عديدة.
تكون اسمه بشكل كبير، فصب جل اهتمامه على جانب الرادودية، فتوسعت دائرة المشاركة، فلم يكتفِ بصفوى فحسب، بل شارك في مآتم القطيف والعوامية وسيهات والأحساء ومدن أخرى كالبحرين والكويت والعراق.
مشاركات في الحج
لم يقتصر التقدم والنجاح على المساجد والحسينيات، بل امتد لحملات الحج والعمرة والزيارة، فمشاركاته عديدة في حملات كثيرة منها؛ حملة “أنوار الزهراء” (عليها السلام)، وحملة “ينبوع الرسالة” وحملة “نور الغفران”، ورافق حملتي “الهداية” و”الحسن الزكي” (عليه السلام) في موسم حج بيت الله الحرام، وفي زيارة العتبات المقدسة رافق حملة “أنوار العقيلة زينب” (عليها السلام).
صديق المساجد
أصبح يدعى لقراءة أدعية الصلوات في مساجد كثيرة لجمال وخشوع صوته، كمسجد الإمام زين العابدين وجامع الكوثر ومسجد الإمام الحسين (عليه السلام).
وتتابعت خطوات تقدم “الهاني”، فكانت المشاركة الرسمية في مسجد الإمام الحسين (عليه السلام) لتشجيع الأشبال والشباب الصاعد في اليوم الثاني عشر من شهر محرم الحرام.
كان لتعلمه القرآن الكريم بالمقامات الصوتية دور في تيسير الدرب كثيرًا، فلم يواجه صعوبات في قراءة الأطوار الحسينية، بل واجه صعوبات في جانب آخر، وهي صعوبات تواجه كل إنسان بارع كالنقد الهدام، لكنه سرعان ما تجاوز ذلك وتخطاه بفضل الله تعالى وبوقوف والديه الدائم قربه وبوجود العائلة والأحبة.
أطوار الرواديد
في حديثه لـ«القطيف اليوم» أوضح “الهاني” أن مجال الرواديد متنوع، فمنهم من تميز بأداء أطوار المدرسة البحرينية، ومنهم من تبع أطوار المدرسة العراقية، مشيرًا إلى أن هذا التنوع جميل جدًا، حيث لا ينحصر رواديد منطقة القطيف ضمن إطار محدد من الأطوار الحسينية، إضافة للأطوار التراثية لمنطقة القطيف، والتي لا تزال تقرأ في شهر محرم الحرام، كالعزاء السنوي في الشريعة بالقطيف، ومأتم الزهراء بصفوى وغيرها من المناطق.
وقال: “أما بالنسبة لأطوار النعي الحسيني، فهناك طور معروف بالطور القطيفي لا يزال بعض الخطباء يقرؤه وتستأنس بسماعه بعض المآتم، ومن وجهة نظري الشخصية لابد من اعتزاز الخطباء والرواديد بالأطوار التراثية، ولا مانع من المزج بين القديم والحديث”.
وأضاف “الهاني” أنه واصل خطاه في مجال الرادودية والنعي الحسيني مكملًا الطريق في تعلم المزيد، فاطلع على دواوين مطبوعة لبعض شعراء البحرين كالشاعر أبو وديعة البوري والشاعر علي إبراهيم الكراني، واستفاد منهم كثيرًا، إضافة لدواوين مطبوعة للشاعر التاروتي علي عبد الله كويل.
شعر وشعراء
وأشاد بوجود شعراء مبدعين من القطيف في الساحة الحسينية، مؤكدًا فخره بتميزهم لدرجة جعلت رواديد وخطباء البحرين يقرؤون لشعراء منهم.
وعبر عن استيائه من بعض القصائد التي ظهرت في الآونة الأخيرة، مشيرًا إلى أنها لا يمكن تسميتها “حسينية” لأنها لا تنتمي للحسين (عليه السلام)، لافتًا إلى أنها أشبه بالأغاني في مؤثراتها الصاخبة وأطوارها الملفتة.
وشدد على ضرورة عدم التفاعل مع مثل هذه القصائد، فالتفاعل معها يساعد في نشرها، وعدم الاهتمام بها يساعد في إخمادها.
الأب الذي لاينسى
وذكر “الهاني” أن هناك مواقف كثيرة مؤثرة لا تنسى مرت في حياته ومن أبرزها؛ بعد انتهائه من المشاركة في مأتم الخميس بحلة محيش ليلة استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعودته إلى منزله في منتصف الليل، كان والده رحمه الله بانتظاره، فجلس بجانبه وقام بتشغيل مقطع من مشاركته في المأتم أرسله أحد الأصدقاء لوالده، والمفاجأة أن المقطع كان “محلى الأبو في العيد لو جمع أولاده”، فقال الوالد: “لقد أبكتني هذه الأبيات بصوتك يا ولدي وتأثرت لها كثيرًا”.
وتابع: “لم يحل علينا العيد إلا بحرارة فقده، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته”.
ونوه إلى أنه كان بينه وبين والده اهتمامات مشتركة، فقد كان والده ممن حملوا على عاتقهم الاهتمام بتدريس القرآن الكريم للجيل الناشئ، وهو من مؤسسي مركز القرآن الكريم بمنطقة صفوى، مشيرًا إلى أنه كان ملازمًا له، إضافة لكون والده ناشطًا اجتماعيًا ورجلًا معروفًا بخدمته المجتمعية المتنوعة على مستوى المنطقة، ومن هنا يرى والده قدوه له في تفانيه وعطائه وأخلاقه والتزامه، كما يرى أن كل خادم مخلص للحسين قدوة له يستحق أن يحتذى بها.
فضاء إلكتروني
وقال “الهاني”: “في هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم من تعليقٍ لجميع الأنشطة الاجتماعية والدينية، نقوم بعمل مختلف البرامج الدينية والثقافية وبعض الاستضافات عبر الفضاء الإلكتروني، وتحديدًا عبر صفحتنا على إنستجرام ونتطلع لمزيد من العطاء الذي نسأل الله أن يتقبله وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، كما نتمنى أن يعود بالفائدة على الجميع ونتضرع إليه بأن يزيل عنا هذا الوباء لتعود نشاطاتنا ونحيي أمر أهل البيت (ع) في مساجدنا وحسينياتنا في القريب العاجل، إنه سميعٌ مجيب”.
واختتم حديثه: “أعمل حاليًا على إعداد كتاب أو كتيب للقارئ الصغير سيرى النور قريبًا بإذن الله”.