يرفض «جعفر مهدي آل أحمد» الرضوخ للأمر الواقع، ويسعى دائما لتطوير نفسه، واكتساب المعارف والقدرات التي تجعله يحقق ذاته وتطلعاته الحياتية والعملية.
واختار أن يحقق هذه الأحلام في قلب الولايات المتحدة الأمريكية، التي عاد منها متسلحا بالمؤهل العلمي، وثلاث لغات وحزمة من العلاقات التي تعارف عليها هناك.
ويقول آل أحمد: «أنا من مواليد سيهات عام 1959، حيث درست فيها المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، ثم انتقلت إلى الدمام، للالتحاق بمدرسة الثانوية التجارية بحي الطبيشي، وفي هذه الأثناء قررت أن أكوّن نفسي، وأن أعتمد على قدراتي المتواضعة في كسب المال الذي يمكنني من تحقيق أحلامي في تلك الفترة».
ويضيف: في المرحلة الثانوية، التي درست فيها عصراً، قررت أن أعمل في مهن تدر علي دخلاً جيداً، فعملت في الفترة الصباحية موظفاً آنذاك في وزارة البرق والبريد والهاتف، وفي المساء عملت في قسم الأمن في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ونجحت في تأمين أربعة آلاف ريال في الوظيفة الأولى، وستة آلاف ريال في الوظيفة الثانية، وساعدني هذا الاجتهاد على تأمين كل احتياجاتي، وتوفير مبلغ من المال يتجاوز عشرة آلاف ريال.
ويتذكر آل أحمد قصة ذهابه إلى الولات المتحدة الأمريكية، وكيف تأثر بموقف معين جعله يغير اتجاه حياته، وقال: «بعد حصولي على المرحلة المتوسطة، قررت التقدم لتسجيل اسمي في القوات البحرية، وهناك قابلت أحد الضباط المسؤولين، الذي ما أن رآني ضمن المتقدمين، إلا وتوجه إلي وسألني عن سبب رغبتي في الدخول إلى القوات البحرية، فقلت له من أجل خدمة الوطن، فقال لي (شاربك لم ينبت بعد ولا تزال صغيراً والمستقبل أمامك)، فنصحني بأن أخدم الوطن، ولكن بعد الحصول على المؤهل الجامعي، ورغم ذلك ما زلت مصراً على رغبتي وطلبت منه مساعدتي في الالتحاق بالبحرية، وبالفعل التحقت بها، وفي الأيام الأولى لي، تذكرت حديث المسوؤل الضابط لي، وأدركت أنني لست مرتاحاً لهذه الخطوة التي أقدمت عليها وربما قد أكون مستعجلاً، وأن عليّ بالفعل أن أكمل دراستي الثانوية ثم الجامعية، حتى أخدم الوطن ونفسي بالشكل الذي أتمناه». وأضاف آل أحمد: «خرجت من القوات البحرية، واتجهت لدراسة الثانوية، وبعد ذلك، قدمت عام 1978 ملفي للعمل في شركة أرامكو السعودية، التي رحبت بي، وعملت فيها لفترة من الزمن، وقد رشحتني الشركة للابتعاث إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1979، من أجل الحصول على المؤهل الجامعي من جامعة كولومبوس بولاية جورجيا، ورأيت أنها فرصة ثمينة، سعيت لاستغلالها بشكل طيب».
وأضاف: «سافرت إلى الولايات المتحدة وحالتي المادية أكثر من ممتازة، حيث كنت أملك في ذلك الوقت حوالي 200 ألف ريال، منحت 50 ألفاً لوالدي -يرحمه الله- لتأمين مهر الزواج، وقمت بشراء قطعة أرض، وهذا ما ساعدني على الذهاب إلى أمريكا، وأنا أركز على المؤهل الجامعي، الذي حصلت عليه بتفوق ولله الحمد». ويرى آل أحمد أن العيش في أمريكا يختلف كليا عن الوطن على كل المستويات، ويقول: «ذهبت إلى هناك، وشعرت بالغربة القاتلة، بسبب البعد عن الأهل والأصدقاء والمعارف، وفقدان الجو العائلي الذي يتميز به الوطن، ويزداد هذا الشعور لدي في شهر رمضان المبارك، حيث كنت أشتاق إلى تجمع الأهل حول مائدة الطعام، وتناول الإفطار سويا، ويهنئ كل منهم الآخر، ويطمئنوا على بعضهم البعض في تواد تراحم جميل، غير موجود في دول العالم».
ويضيف: «على رغم قسوة الغربة، إلا أنها علمتني أن أعتاد على ظروف لم آلف عليها، مثل الغربة التي لابد منها، من أجل الحصول على المؤهل الجامعي، كما تعلمت طهو الطعام بشكل جيد، لكي أصنع الأطعمة الشعبية السعودية الذي حرمت منه، كما تعلمت اللغة الانجليزية، ومعها قليل من الإسبانية والهندية». ويتذكر جعفر أول سيارة اشتراها في حياته، ويقول: «أول سيارة اشتريتها في حياتي كانت من نوع 180، وذلك في عام 1978، وهي قديمة، وبلغ ثمنها 10.500 ريال، وفي هذه الأثناء تزوجت من أم حسين، ودفعت مهراً بقيمة 16000 ريال، بينما أهل العروس كانوا يطلبون 12000 ريال فقط».
ويؤكد آل أحمد أن عهد الملك خالد شهد نموا اقتصاديا، وطفرات عززت معيشة الشعب السعودي. ويقول: «أتذكر في عهده الميمون، أنه -يرحمه الله- أمر بزيادة رواتب موظفي الدولة 50 في المائة، وبعد رجوعة من رحلته العلاجية، أمر بزيادة 50 في المائة مرة أخرى أي ما يعادل بالمجموع 100 في المائة».
وبمناسبة قرب شهر رمضان الكريم، يتمنى آل أحمد لو أن الجميع استشعر حلاوة الشهر في الماضي، ويقول: «كل شيء اختلف عن الماضي، صوم الشهر والروحانيات الإيمانية والعادات والتقاليد، فكان رمضان في الماضي فرصة ومناسبة للتزاور بين الأهل والأصدقاء والأقارب، وكان الجميع يتجهون إلى المسجد لأداء الصلوات هناك، ويهنون بعضهم البعض بمقدم الشهر، ويناقشون أحوالهم، ويدعو بعضهم البعض في الشهر الفضيل إلى تناول الإفطار أو السحور، أما الآن فالمشهد بأكمله تغير، فالجميع يكتفون ببرامج التواصل الاجتماعي كي يهنون أنفسهم بالشهر، رسالة واحدة، يستطيع الإنسان أن يبعث بها إلى آلاف المسجلين في جواله في ضغطة ذر واحدة، وأعتقد أن هذه التقنية عزلت الناس عن بعضهم، وجعلتهم مسجونين في عوالم افتراضية رتيبة».
ويقول آل أحمد: إن ذكرياته في الشهر الفضيل كانت كثيرة ومتنوعة، ويرى أن أسعد لحظات حياته، عندما كان يصطحب المسحراتي في جولته على أهل قريته، كي يوقظ النائمين لتناول السحور، ويقول: «كان المسحراتي ينادي على أهل القرية كلٌ باسمه، ويعاود النداء عليهم مرتين أو ثلاثا حتى يتأكد أنهم استيقظوا من نومهم. أما الآن، فلا يعرف المسحراتي أسماء ساكني المنطقة التي يطوف عليها، وينادي بأسماء عامة، وذلك بسبب زيادة عدد السكان والتوسع الذي شهدته المدن والقرى على حد سواء».
ولم يغفل آل أحمد الرياضة في الصغر، فتعلم لعبة الكاراتيه، ومارسها فترة طويلة من الزمن، ويقول: «منحتني هذه الرياضة الصحة واللياقة البدنية المطلوبة، وبجانب هذه اللعبة، كنت أشجع نادي الخليج بسيهات، كما أشجع بجانبه النصر والاتحاد، ولكن الخليج له الأفضلية إذا التقى مع أحد هذه الأندية».
وينصح آل أحمد الشباب بالمثابرة والجد في العمل والصبر وعدم الاستعجال، وعدم الركون إلى الراحة مهما كانت المعوقات والتحديات، مؤكداً أن هذا الزمن يحتاج إلى من يعمل من أجل اثبات الذات، وتأكيد الكفاءة، لا يأتي إلا عبر العمل صباح مساء، مشيراً إلى أنه يرجع الفضل بعد الله فيما وصل إليه من خلال والده -يرحمه الله- ومتابعته وتشجيعه له، كما أنه يرى الوجيه الحاج عبدالله المطرود -يرحمه الله- نبراساً وقدوة له في الكفاح والعصامية التي تحلى بها. وقال: «أعرف شبابا اجتهدوا، وحرصوا على ابتكار الأساليب كي يحققوا ما سعوا إليه، في المقابل، يوجد شباب فضلوا أن يستسلموا للأمر الواقع، فكانوا على هامش الحياة، لذا أدعو شبابنا إلى ابتكار الأساليب التي تطور حياتهم، وتصعد بهم إلى آفاق أوسع».