من نعم الله على عباده الكثيرة والتي لا تعد ولا تحصى أن جعل للمؤمنين مواسم ومحطات تذكرهم بأمر الآخرة والأولى، وحيث إن الإنسان جسم وروح ومادة ومعنى، ولا بد من التكافؤ فيما بينهما.
فاليوم الذي يتنازل فيه الإنسان عن بعض الماديات لصالح أموره الروحية والمعنوية هو العيد.
وهذا العيد الذي يأتي بعد مرور شهر كامل على تنازل الإنسان عن أهم الحاجات الجسدية، والرغبات الشهوانية والجسمانية؛ وهي حاجته للطعام والشراب وما إلى ذلك من الأشياء التي يمتنع عنها الصائم في صيامه، فهو عيد قوة الروح وسلامته، والسيطرة على الشهوات والرغبات، للكسب المعنوي، وامتلاك الإرادة الصلبة، فقد ورد عن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام): «إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيد».
فليس العيد لمن لبس الجديد وتفاخر بالفريد؛ إنما العيد لمن خاف يوم الوعيد واتقى ذا العرش المجيد، وسكب الدمع تائبا منيبا.
ولعل من السهل جدًّا أن يتبادر إلى ذهن المرء أن العيد يعني الانطلاق بالسرورَ والبهجة، والانعتاق من مشاكل الحياة والعمل الرتيب، وهذا المفهوم معقول، وواقع الحال يقتضيه.
ولكن أليس من الأجمل أن نعرف معنى العيد في لغة العرب؟
قال ابن منظور في “لسان العرب” (ج3، ص 319): “والعيد: كل يوم فيه جَمْع، واشتقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل: اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد، لزم البدل، ولو لم يلزم لقيل: أعواد، كريح وأرواح؛ لأنه من عاد يعود”.
فالعيد إذاً عود إلى الله ليعود علينا بالمغفرة ولم يكن ذلك مختصًا بالمسلمين {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} فقال موسى لفرعون، حين سأله أن يجعل بينه وبينه موعدا للاجتماع: “مَوْعِدُكُمْ” للاجتماع “يَوْمُ الزِّينَةِ” يعني يوم عيد كان لهم.
وللمسلمين أربعة أعياد أعظمها وأشرفها عيد الله الأكبر عيد الغدير والذي أكمل الله فيه الدين وهو يوم قام النبي (صلى الله عليه وآله) بنصب علي بن أبي طالب (عليه السلام) خلیفة ووصيا له، فقال «من كنت مولاه فعلي مولاه»، وكما في الرواية قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كم للمسلمين من عيد؟ فقال: أربعة أعياد، قال: قلت: قد عرفت العيدين والجمعة فقال لي: أعظمها وأشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجة، وهو اليوم الذي أقام فيه رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام ونصبه للناس علما.
ففي العيد يعود الناس للمحللات بعد المحرمات وإن كان في الأصل بعضها محللاً، فهو ليس فرحًا بل رجوعًا إلى الله لرسم خارطة الطريق.
فقد خطب أمير المؤمنين عليه السلام يوم الفطر فقال: “أيها الناس إن يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المسيئون، وهو أشبه يوم بقيامتكم، فاذكروا الله بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الأجداث إلى ربكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنة والنار”.
ومن الجميل أن زكاة الفطرة يجب إخراجها أو عزلها قبل أداء صلاة العيد وهو نوع من مصاديق التزكي {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ}، وليكن العيد تزكية للنفس وعودًا إلى الله وهو إحراز التقوى وحري بمن أحرزها أن يفرح هذا اليوم.
كما أن المتأمل في الأعمال التي وردت ليوم العيد يجدها كثيرة ودالة على أنه يوم مميز وتوثيق وتأصيل للعبادة وسمو النفس والارتباط بالآل الكرام ومن أهم تلك الأعمال:
الاوّل: أن تكبّر بعد صلاة الصّبح وبعد صلاة العيد بالتكبيرات “اللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ لا إلـهَ إلاّ اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ، الْحَمْدُ للهِ عَلى ما هَدانا وَلَهُ الشُّكْرُ على ما أوْلانا “.
الثّاني: إخراج زكاة الفطرة صاعاً عن كلّ نسمة قبل صلاة العيد.
الثّالث: الغسل والأحسن أن يغتسل من النّهر إذا تمكّن ووقت الغسل من الفجر الى حين أداء صلاة العيد.
الرّابع: تحسين الثّياب واستعمال الطّيب والأصحار.
الخامس: الإفطار أوّل النّهار قبل صلاة العيد، والأفضل أن يفطر على التّمر أو على شيء من الحلوى وقد ذكرى لتربة الحسين عليه السلام فضلاً.
السّادس: صلاة العيد بعد طلوع الشمس.
السّابع: الدعاء “اَللّـهُمَّ مَنْ تَهَيَّأَ في هذَا الْيَوْمِ أوْ تَعَبَّأَ أوْ أعَدَّ وَاسْتَعَدَّ لِوِفادَة اإلى مَخْلُوق رَجاءَ رِفْدِهِ وَنَوافِلِهِ وَفَواضِلِهِ وَعَطاياهُ،…” وقد وردت دعوات كثيرة بعد صلاة العيد ولعلّ أحسنها هو الدّعاء السّادس والأربعون من الصّحيفة السجادية الكاملة.
الثّامن: أن يزور الحسين (عليه السلام).
التّاسع: قراءة دعاء النّدبة.
أسعد الله أيامكم وجعلها كلّها أعيادا في عيش رغيد وعمر مديد وحظ سعيد وكل عام وأنتم لله أقرب ولرضوانه أحب.
وصلى الله على محمد وآل محمد والحمد لله رب العالمين.