من الجش.. الحاج المغاسلة: 37 هلالًا حصيلة رحلتي.. وشهدتُ بهلال العيد و«البيّات» على فراش المرض

قد تبدو هذهِ الحادثة غير مُلفِتة وعادية للكثيرين، ولكنّها عندَ أهل العلم لها آفاقٌ لا تُحدّ، القصةُ تعودُ إلى أكثرِ من 15 عامًا مضت، حين ذهبَ أحدُ المؤمنين ليُدلي بشهادتهِ في رؤيةِ هلالِ عيد الفطر المبارك عند الشيخ العلامة منصور ابن الحاج عبد الله البيّات، لكنّهم أعلموهُ أنّ الشيخَ البيات على فراش المرض ولا يتمكّن من مقابلة أحد، فأخبرَهم بأنّه “المغاسلة” قادمًا من الجش للإدلاء بشهادتهِ في رؤية الهلال، فعادوا إليهِ بعد دقائق معدودة يخبرونهُ بإذن العلّامة له بالدخول؛ ليدخلَ بكلّ المشاعر التي لا تُنطق، فالقبولُ تكريمٌ وتقدير، والدخول تشريف، والإدلاءُ في حدّ ذاتهِ أمام العلامة شرفٌ وأيُّ شرف.

اشتهر في بلدته “قرية الجش”، كما أنه أحد رجالاتها الكرام، الذين يكن لهم كبيرهم وصغيرهم كل الاحترام، وأشهرهم في التحري، الحاج حبيب عبد الله أحمد المغاسلة المكنّى بـ”أبو سعيد”.

قوةُ الرؤية
اشتهرت الجش منذُ قِدمِ أزمانها بتحرّي الأهلّة من فلاحيها وأصحاب المزارعِ فيها، فعيشُهم في أماكن الشمس والضوء، وقضاء أغلب وقتهم بين الخُضرة يعطيهم القوةَ في الرؤية، كما كانوا يملكون متابعةً لهذا الموضوع واهتمامًا بهِ من عهد أجدادهم منذُ القدم، وقد اهتمّ “المغاسلة” بهذا الأمر اهتمامًا كبيرًا كشأن المزارعين أمثالهُ، فبدأ في التحري عام 1404ھ تحديدًا، بعد أن تناقل ذلك من ابن عمّهِ حسن المغاسلة، ولم يكُن ليبخل بهذا الموروث الهام ويحصرهُ لنفسهِ، بل علّمهُ لأبنائهِ كذلك.

أعلامُ الرؤية
يذكر الحاج سعيد أنه قبل أن يشتهرَ في عالم المتحرّين للهلال، كان هناك الكثير من المشهورين قديمًا في منطقة الجش بالتحري، ومنهم؛ خالهُ المرحوم الحاج صالح آل حمود، والحاج عبد الوهاب ابن الحاج علي بن عبد الله، والحاج حسن مغاسلة، والحاج حسن وهاب، والحاج عيسى سعيد المشهور بـ “أبو بدر”، أمّا أقدمهم وأسبقهم بزمنٍ طويل فكان الحاج حسين سلام “رحمهُ الله”.

منازل القمر
يستعرض أبو سعيد لـ«القطيف اليوم» ذكرياتهِ الخاصة مع الأهلة وهلال العيد بالخصوص فيقول: “بدأتُ في تحري رؤية الهلال منذُ أربعينَ عامًا مضت لم أتخلّف فيها سنة ولم أُخطئ ولله الحمد، وما زلتُ لليوم أفعلُ ذلك، وقد كنّا قديمًا نرتقي أسطح منازلنا لرؤية الهلال، وأتوجّهُ بعدَها للإدلاء بشهادتي برؤية الهلال عند الشيخ العلامة عبد الحميد الخطّي، وكذلك عند الشيخ منصور البيات”.

ويضيف: “قد يُصادف أنّني الوحيد أحيانًا من منطقة الجش، ويشاركُني الشهادة إخواني من القطيف والجارودية وسيهات وصفوى وغيرها، حيثُ كانت الشهادةُ لازمةً في ذلك الوقت، أمّا الآن وبعد ظهور لجنة الاستهلال فلا يذهب أحد إلى العلماء للشهادة”.

ويمضي في حديثه: “إنّ رؤية الهلال تتطلّب معرفةً بمنازل القمر، هذا العلم الذي لم أدرسهُ بل تعلمّتهُ نظريًا، وكان لمجالستي للشيخ البيات والشيخ الخطّي دورٌ في ذلك، فالقمر يكون دائمًا سافِل الشمس ولا يكون عاليها، والشمسُ تكون يمينًا والقمر يسارًا”.

قبل الأذان
يترقّبُ أبو سعيد رؤيةَ الهلال الجديد بالخروج مع مجموعةٍ من رجالات البلدة للبرّ، حيثُ المنطقة مكشوفة بدون نخيلٍ مرتفعة ولا غيرها، وذلك قبل غروب الشمس بخمس دقائق فقط، ويوضّح “المغاسلة” أنّ رؤية الهلال تتطلّب جوًا صافيًا ومعرفةً بمنازل القمر، لكنّها لا تحتاجُ بحثًا أو تعبًا فمكانهُ واضح، فالنجمة تكون فوق الشمس والهلال يكون أسفلها كالخط المُنير.

رؤى صعبة
صادف “المغاسلةَ” البعض من الرؤى الصعبة؛ بسبب تقلّب الجو من غبارٍ وضبابٍ وغيوم، فالرؤية حينَها تكونُ مستحيلة بسبب الغيوم والغبار، ويذكر أبو سعيد أنّهُ في زمان المرجع الخوئي رحمه الله “إذا لم نتمكّن من رؤيتهِ في يوم بسبب الغيوم وغيره، وتعذّرت علينا رؤيته في اليوم الثاني كذلك، فإنّهُ يُحكم بكونهِ اليوم الثاني لا الأول، بينما المرجع السيد السيستاني حفظه الله يشترط ثبوت الرؤية، وأحيانًا يُصادف أن يكونَ الجوُّ غائمًا لكنّ خروجهُ متوقع، ونراهُ فعلًا لأنه يكون عبارة عن خطٍّ واضح”.

ويستشهد بواحدة من تلك القصص بعد أن حصل له في إحدى السنوات صعوبةً في رؤية الهلال بسبب الغيوم، لكنه تمكّن من رؤيتهِ أخيرًا قبل غروب الشمس.

أهلّةٌ أخرى
يتحرّى “المغاسلةُ” رؤيةَ أهلة الأشهر جميعها، لكنَّهُ يذكر أنّ الناس تهتم كثيرًا بتحرّي هلال رمضان، والأكثر منهُ هلال العيد، وهلال ذي الحجة بسبب تزامنهِ مع موسم الحج، وكذلك دخول شهر عاشوراء، منوّهًا إلى أن ظروف الحجر هذا العام ستمنعهم من الخروج جماعاتٍ للرؤية، وتبقى سطوح المنازل أماكن استطلاعه.

إمكانيات
وتتطلّب رؤية الهلال إمكانيات خاصة حازها “المغاسلة” جميعها، وعلى رأسها المعرفة بمنازل القمر المذكورة في القرآن الكريم في قولهِ تعالى: {والقمر قدّرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم} يس آية 39، إضافةً لقوة النظر، والصدق في الرؤية.

ويتوقع أبو سعيد التمكّن من رؤية هلال شوال لهذا العام 1441ھ يوم السبت، لأنّهُ سيكون مولودًا يوم الجمعة حسب قوله، وبذا قد يكون العيد يوم الأحد؛ ليودّع المؤمنون شهر الصيام المختلف عن شهور الصيام التي عاشوها بحسرةٍ وحزنٍ أعمق ممّا مضى.

تنويه: الصورة من تصوير الفوتوغرافي علي حسن آل إسماعيل

 


error: المحتوي محمي