الإنسان…
كيف يكون…
كثيرًا ما يسأل الإنسان نفسه كيف ينبغي أن يكون؟!
وما هي الصفات التي إذا وجدت يكون مؤمنا حقاً؟
تقدم في الخاطرة السابقة وقلنا إنه بعد الاعتقاد والتسليم للأوصياء بأنهم هداة راشدون فهم صلوات الله عليهم أجمعين أرشدونا بأحاديثهم الشريفة إلى الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الإنسان المؤمن وتكون زينة له تمام ما ينبغي له أن يكون.
وقلنا إنه قد وردت رواية شريفة مستوعبة لكل الصفات الإيمانية التي ينبغي للمؤمن أن يتحلى بها وخير مثال للإيمان الذي ينبغي وسنأخذ في هذه الخاطرة بعض مفرادات الرواية الشريفة.
روى الشيخ الكليني عليه الرحمة في الكافي الشريف، عن أَبِي عَبْدِاللَّهِ (عليه السَّلام) أنه قَالَ: “الْمُؤْمِنُ لَهُ قُوَّةٌ فِي دِينٍ، وَحَزْمٌ فِي لِينٍ وَإِيمَانٌ فِي يَقِينٍ، وَحِرْصٌ فِي فِقْهٍ، وَنَشَاطٌ فِي هُدى، وَبِرٌّ فِي اسْتِقَامَةٍ، وَعِلْمٌ فِي حِلْمٍ، وَكَيْسٌ فِي رِفْقٍ، وَسَخَاءٌ فِي حَقٍّ”.
وفي هذه الخاطرة سنأخذ مفردة من مفردات هذه الرواية الشريفة المباركة لنتعرف عليها بما يسع المقام.
مما أشارت إليه الرواية الشريفة إلى الصفات الإيمانية أيضا التي ينبغي للإنسان المؤمن أن يتحلى بها ليكون مؤمناً حقاً:
قوله عليه السلام:
“وَإِيمَانٌ فِي يَقِينٍ”.
ما هو الإيمان ؟
هو التصديق الذي يقبل الشدة والضعف وهذا الإيمان على قسمين:
الأول: ما يكون عن تقليد.
الثاني: ما يكون عن دليل مع العلم.
والثاني وهو ما يسمى بعلم اليقين.
وما نلاحظه عند السالكين لا يكتفون بهذه المرتبة وإنما يسعون للوصول إلى عين اليقين وبالمشاهدة وذلك بعد إبعاد حجب الدنيا حتى يتحقق الإعراض عنها.
فالذي يظهر من مراد الإمام من اليقين في كلامه صلوات الله عليه هو حمله على أحد هذين المعنيين.
لأن اليقين هو أعلى مرتبة في مراتب القطع والجزم والعلم ولأن اليقين أيضا مرتبط بالقلب ومتعلق بالنفس بخلاف العلم الذي هو مرتبط بالعقل.
ولذلك يقول الفقيه العارف السيد الخميني عليه الرحمه: “إذا صدق القلب فعند ذلك يأتي اليقين”.
والذي يظهر أن العلم بالقلب يأتي متأخرًا رتبة لأنه لا يأتي إلا بعد ثبات ورسوخ الشيء في العقل وهذا يحتاج إلى تجشم وتأمل وعلم وعمل ورياضة خاصة وجهد قلبي للوصول لذلك ثم بعد ذلك ترقى إلى مرتبة اليقين التي هي أعلى مرتبة في العلم.
قال تعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}. فما يصبوا إليه الإنسان ليكون مؤمنًا تقيًّا هو الوصول إلى علم اليقين وعين اليقين.
فيصل هذا الإنسان المؤمن إلى مرتبة عالية فإذا عبد الله عبده كأنه يراه.
وإذا خشي ربه أشد خشية كأنه يرى النار ويسمع حسيسها وشهيقها وزفيرها ويرى الجنة ويتلذذ بنعيمها من شدة يقينه.
فهل من ثروة أكبر من اليقين؟!
كلا لا يوجد ثروة أكبر من اليقين.. لماذا؟
لأن اكتمال الإيمان هو باليقين وقد تحقق.
مما جاء في الروايات المروية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام: “إن اليقين هو من الخير والغنى الذي يعطى للعبد”.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: “كفى باليَقينِ غِنىً”.
وروي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال: “ألَا إنّ النّاسَ لَم يُؤتَوا في الدُّنيا شَيئاً خَيراً مِن اليَقين والعافِيَة فاسألُوهُما الله”.
نرى أئمتنا عليهم السلام كانوا يسألون الله أن يرزقهم اليقين بل كانوا يحثون على إحياء القلب باليقين.
ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه الإمام الحسن عليه السلام: “أحيِ قَلبَكَ بالمَوعِظَةِ، وأمِتْهُ بالزَّهادّة وقَوِّهِ باليَقينِ”.
لأن اليقين هو ملاك الإيمان.
ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: “مِلاكُ الإيمانِ حُسنُ الإيقانِ”.
ولنعلم أن مراتب اليقين أيضا تختلف ودرجاته تتفاوت.
فمراتب ودرجات اليقين هي:
١ – علم اليقين.
٢ – عين اليقين.
٣ – حق اليقين.
قال تعالى في سورة التكاثر: “كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ”.
فعلم اليقين هو القنطرة للوصول إلى عين اليقين فإذا تطور اليقين من مرحلة المعرفة الذهنية إلى المعرفة العينية الخارجية فإن الإنسان يرى ويشاهد ما كان يعرفه معرفة ذهنية.
فوصول الإنسان لعلم اليقين به يستطيع أن يرى الشيء وإذا ارتقى إلى مرتبة علم اليقين أصبح عنده زاد يصل به إلى عين اليقين.
فما هو علم اليقين؟
إذن علم اليقين هو تصوير للأمر اليقيني فعندما نقرأ القرآن الكريم تحصل لنا معرفة أن هناك جنة ونارًا.
فعندما تزداد عند الإنسان المؤمن مرتبة اليقين، تزداد درجة تكامله بعد ذلك عندما يقرأ القرآن ويمرّ بآية فيها ذكر النار يقشعر بدنه لأنه يراها أمامه ويرى من يتعذب فيها كما إذا قرأ الآية الشريفة.
قال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}.
وعندما يمرّ بآية فيها ذكر الجنة تطمئن نفسه ويشم رائحة طيب الجنة ويستمتع بنعيمها في هذه الدنيا كما إذا قرأ الآية الشريفة.
قال تعالى: {سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا}.
هذا هو ما يسمى بعين اليقين.
مثال لذلك ليتضح الأمر:
عادة ما يطرح من قبل أهل الاختصاص هذا المثال لتقريب ذلك.
أي أحد عندما ينظر في خارطة إلى بلدة من البلدان فإنه يثق بوجود هذا البلد هذا يسمى بعلم اليقين.
وعندما يشاهد في التلفاز برنامجا ينقل صورا من البلدة بصور مباشرة وهي التي نظر إليها في الخارطة وحصل عنده وثوق بوجود هذا البلد هنا يتيقن باليقين العيني بوجود هذا البلد وهذا ما يسمى بعين اليقين.
ولكن عندما يسافر إلى ذلك البلد الذي نظر إليه في الخارطة ثم رأى بثًّا تليفزيونيًا عنه فلا يشك أبدًا في وجود هذا البلد، فهذه المرحلة تسمى بحق اليقين.
من ذلك عرفنا أن حق اليقين هي أعلى مرتبة من مراتب اليقين وهذا يحصل للإنسان في حال أفنى نفسه في الله وانقطع عن الدنيا، فحينئذ لا يرى شيئا إلا ويرى الله قلبه وبعده وفيه وله كأنه يرى الله جلّ وعلا.
ولذلك نقرأ في دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة:
“كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبًا”.
وقال عليه السلام:
“تعرفت لكل شيء فما جهلك شيء”.
وقال عليه السلام:
“تعرفت إلي في كل شيء فرأيتك ظاهرا في كل شيء فأنت الظاهر لكل شيء”.
لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك ابق في بيتك واتبع نصائح الجهات المسؤولة.