شبيه الشيء منجذبٌ إليه فجَاور منْ تميل إليهِ

يُقال في الفلسفة والمنطق: إن التّماثُلَ علّةُ الانضمامِ، وهذا ما يُفسر لنا انجذاب الأصدقاء لبعضهم بعضًا، إذ لولا وجود كتلة تشابهية لما انجذب أحدهما للآخر.

ينقل لنا أحدُ الحكماء قصة جميلة يرويها قائلًا: رأيتُ غرابًا ولقلقًا يطيران سويًا ويُحطّان معا بالرغم من اختلافهما في اللون والشكل، فتعجبتُ من تلك الصداقة التي ربطت بينهما، فاقتربتُ منهما ورأيتُ أنهما أعرجان.

والحقيقة أن خلف قاعدة الجذب هو عمق الحاجة، إنك لن ترى إنسانًا انضوى تحت جماعة حبًا لها، وابتعد عن جماعةٍ أخرى عزوفًا عنها إلّا وقد رأى أمرًا متعلقًا بمصلحته قصد ذلك أم لم يقصد.

ولا يُعدّ ذلك خللًا بل هو ركن أساسي في منظومة الكائن الحي، حيث يُصاب الإنسان بالوهن إذا ما عجز عن الانضمام لشبيهٍ له.

والمتأمّل في أحوال الناس واختلافهم لابد أن يرى التفاوتَ في حجم قوة الجذب عند البعض، وشتّان بين من يمتلك القوة الجاذبة وبين مفتقرها.

إنّ الطاقة الإيجابية أو الهالة المضيئة هي التي تُقرّب الناس من صاحبها وتجعله كتلة من الضياء وسط العتمة يزاحم الناس معينه العذب، مثل فراشٍ يتسابق على الضوء يناجي جماله، وتجعله في عداد الأخيار.

‏لتبرز القيمة المطلقة للأخيار! إنّ الأخيارَ إذا دخلوا القلوب أسْعدُوها، وجعلوا للفرحِ مواقيت غير معلومةٍ فيها، نشروا كُتب البشارةِ، وصنّفوا مراتب الحبّ ثم اعتلوا قِمّتها.

بينما نرى البعض الآخر يمشي بين الناس وكأنه قطعة حجر لا وجود ولا تأثير له بينهم، (إنسان مُهْمل) ليس لديه أيّ موجة يتصاعد من خلالها.

وإذا بحثنا عن القوانين التي فرضت قوة الجذب عند فئة من الناس، فسوف يبْرقُ لنا قانون الحب الذي يقف خلف ذلك كله تسانده عوامل الخير والحق والعمل المثمر، فضلًا عن قوة العقل وسلامته.

إذ يقوم العقل بطرد الجهلاء من هالته ويكتفي بذوي العقول الراجحة والصالحين، وكلُّ من ينتمي لرسالة هادفة في الحياة.

ومن الشخصيات التي تمتلك القوة الجاذبة؛ شخصية الإمام علي “عليه السلام”، فقد مضى على استشهاده قرون طِوال وما زالت جاذبيته محطّ الكثير من الناس.

فذا شاعر اليوم ينظم شعرًا بعيونٍ حيرى في عشقه، وذاك ناثر اللحظة ينثر زهْرًا عطرًا في سيرته حتى وصل شذا كلماتهما لجميع الناس، فعادت بهم ذكريات رائحة البطولة والولاء للإسلام وشرف التضحيات بالنفس والسّبق المطلق لاعتناق المبادئ السامية.

سيدي يا أمير المؤمنين، رميت سيفك ذا الفقار فشعّ نوره بين المشرقين، وأبتْ البطولة إلا أن تقف عند حدود قدميك تعانق ترابها يا أبا تراب، فلا نظير لبطولة تُشابه بطولتك.

إنّ حبنا للإمام علي وانجذابنا نحوه هو حب لجميع المعاني الإنسانية والأخلاق الفاضلة، وسيادة تجسيد الإنسان المُتكامل صاحب الفضائل المصطبغة بنفحة إلهية ؛ لذلك أثارَ ذلك الحبّ جميع الانفعالات وساق لنا قوة الجذب له سلام الله عليه.

عليُّ بن أبي طالب محبوب لارتباطه بالله تعالى ورسوله، وهذا هو تفسير قلوبنا العاشقة له، وهو ذاته رابط الفطرة السويّة النقية التي تنجذب للذات الإلهية وللأولياء الصالحين.

في مسرح الأحزان وبصحبة القلة الذين شهدوا دفْنك سيدي في ذلك الليل المظلم، ناحتْ حمائم القلوب تبكي فراقك سيدي، ولعليّ أبصرُ من بعيد أحد المولعين بحبك، أجل لقد وقف صعصعة بن صوحان مودعًا أمير المؤمنين واضعًا يده على قلبه، يكاد الألم يفطره وهو يقول: “فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين، وهنيئًا لك ما أكرمك الله به، فقد كنت طيب المولد، قوي الصبر، عظيم الجهاد، وقد وصلتَ إلى ما أمّلتَ، وتاجرتَ الله تجارة رابحة، ومضيتَ إلى ربك، فاستقبلك الله بالبشرى، واجتمع حولك الملائكة، وسكنت في جوار المصطفى، فأكرمك الله بجوارٍ، وألحقك بدرجة نبيه، وسقاك من الكأس الأوفى، جاهدتَ في الله أمام النبيّ حق الجهاد، وقمتَ بدين الله حق القيام، أزلتَ الشبهة، وأطفأت الفتن، واستقام بك الإسلام، وانتظم بك الإيمان”.


error: المحتوي محمي