يا ليلة القدر الحزينة

لحن من الطفولة جاء ليطرق باب الليلة ليوسمها بوسمها الخالد ويناديها بوصف الحزن والألم الذي يتشظى بغبنة الدهر وكسرة الظهر لعلها تحن عليه وهو يناديها يا ليلة القدر الحزينة.

أي ليلة تُمرين علينا هذا العام؟
ونحن لا نفقد عليًا فقط فيكِ بل نُحرم من الكثير مما يخص عليًا..

نحن نفقد الشعور بحواسنا ولا نعلم هل أُصبنا حقًا بالشلل الذي شل حتى تفكيرنا لتقبل فكرة مآتم أمير المؤمنين (ع) ووضعها بليلة ضربته تنعيه تارة وتنعي افتقاد زحام معزيه تارة أخرى.

نعم الزحام الذي لا يكون هناك موطئ قدم فيه، الزحام الذي قد يضطر الرجل ليضع ركبته على رجل من بجانبه من شدته، وقد لا تجد المرأة الكبيرة مكانًا تسند فيه ظهرها المحني فتتحمل الجلوس على الأرض دون وسادة تريحها، وتتحمل الأمهات صراخ أطفالهن لأنه في هذه الليلة لا يحلو سوى الصراخ كما الأطفال الذين يفقدون والدهم دون رجعة.

الزحام الذي تراه في الأسواق وتكدس الناس لشراء حاجياتهم ليس فيه أي معنى لروح الحياة لأنه تزاحم على الدنيا، ولكن الزحام الذي يملئ الشارع بالمعزين الناشرين بثيابهم السود علائم الحداد وبمن يفترشون التراب وهم يغطون وجههم بركبهم لينحبوا على أبي تراب، فهذا الحياة التي نشعر بالاختناق عن تنفس أكسجينها.

الزحام ليس بمنظره المهيب فقط وحتى لو كنا نعلم أن في الزحام من يمثل عددًا فيه، ولكن الزحام الذي يخشى الكثير تناقل العدوى منه، فعدوى الحزن مطلوبة بزحامنا عند باب علي الليلة لأن صرخة واحدة ستتبعها صرخات، ولطمة صدر قوية ستشجع لطمات، ودمعة صادقة من القلب ستبحر منها دموع من القلوب التي كان خط تماسها الولاء الذي ننتمي له.

وبنهاية مشهد الزحام هناك زحام لتلقي طعام ممسوس ببركة علي لعل البطون تتطهر بلقمات هي تبكي داخلنا من فيض بركة صاحبها وليلته الحزينة.

كل هذه الصور كانت لدينا واليوم أينها؟
نعيش بعالم افتراضي بالتأكيد هو أفضل من العدم ولكن يعز علينا أن تكون ليلة بهذه العظمة لا تملك استثناء لعظيمها.

عظيمها الذي غدت تراتيل القرآن تنوح بصمت ليتعذر صوتها من الوصول لآذاننا التي اعتادت على ما دونها.

عظيمها الذي يعتذر الأذان منه لأن الأذان غدا لا يقصد الحضور لصلاة الجماعة بالمساجد ليعيدو سماع أذان الفجر الذي لم يطلع بسلامه عليه.

عظيمها الذي ربما تعتذر أمه الكعبة عن استقبال طلبات الأذن بالحج إليها هذا العام.

عظيمها الذي لا نشك ولو لحظة أن موجودات الكون ناحت عليه مع صرخة جبرائيل الناعية له: تهدمت والله أركان الهدى.. وانفصمت والله العروة الوثقى.. قُتل علي المرتضى..

ونحن مازلنا نقبع بلا حول ولا قوة في هالة العجز التي تعجز أقلامنا عن وصف وجع تلك الضربة علينا هذا العام والتي لم تفلق هامة عليا فقط بل فلقت هامة الإسلام بأسره في محراب صلاته بالمسجد، وذكره بالمأتم، والقرآن بآيات توسله، والطواف بحجه وعمرته..

هنا.. فلنعد لشريط الطفولة الذي بدأنا فيه والذي يضم صوتًا آتٍ من البحرين لنحاكيه بصوت البراءة والنقاء ونردد:

يا ليلة القدر الحزينة
يا ليلة القدر الحزينة
محراب حيدر.. بالليل كبر
محراب حيدر.. بالليل كبر

لعلنا نعود منها بلا ذنوب كما كنا ونحن ننعيها وننعي عليّها ليعيد الحياة من جديد قبل عاشوراء حسينه.


error: المحتوي محمي