الغذاء نعمة من نعم الله عز وجل على الإنسان، وهو السبب في بقائه واستمراره على هذه الأرض بعد قدرة الله، إلا أن حجم الفواقد في العناصر الغذائية، والانحرافات في المواد الخام، والظروف التصنيعية، والتقنيات العصرية التي أفرزت فيه شيئاً من سمومها، شكلت هاجساً يهدد صحة الإنسان التي هي أغلى وأهم ما يمتلكه في حياته.
لم تعد معارفنا اليوم عن علاقة الغذاء بالصحة والمرض مقتصرة على معارف مبسطة من كون الغذاء هو عنصر النمو والطاقة، إن المعارف قد زادت حتى تداخلت بصورة تجعل المتأمل في حيرة من أمره، لقد تجاوزت المعالجات الاصطناعية إلى فنون إعداده وتحضيره، وأصبحنا مع غياب الوعي والتربية الغذائية غدونا نشفق على أنفسنا، ونلحق بصحتنا الضرر.
بنظرة متأملة للحياة المعاصرة نجد أن الزراعة وصناعة الغذاء شهدت سلسلة من متشابكات العلوم والتقنيات التي قلبت الأرض وحرثتها لتدفع لنا بإنتاج غذائي مهول، وكم شاهدنا تشابك هذه التقنيات بالغذاء بعد إخراجه من الأرض ودخوله أفواهنا فصالت وجالت في أسرار أجسامنا وعاثت بصحتنا وما كان لنا خيار فيما يحدث سلباً وإيجاباً.
وأن كل ما تدفعه لنا مزارع اليوم ومصانعه ما هو إلا مصائب، أدى كل ذلك إلى تحميل الجسم الكثير من المخاطر الصحية، المعروف منها والمجهول، وأحدث خللاً وإرباكاً في قدرته على مقاومة الأمراض وضعف المناعة، وأكبر دليل على ذلك ما تقدمه لنا الأبحاث وتكشفه من خطورة المواد المستخدمة في التصنيع مثل المضافات الغذائية التي لها تأثير تراكمي على صحة الإنسان.
لا شك أن الوعي والإدراك والإلمام بجوانب غذائنا وما ندفعه لأفواهنا من الأمور المهمة في حياتنا، ولكن لنا أن نتساءل عن صحة التعامل والتكيف مع الواقع بمعطياته العصرية الخطرة أو نناصبه العداء، ونحن نرى فيه بلاء لأجسامنا ومصدر أمراضنا، أننا في حاجة إلى دور إيجابي متفهم واعٍ يخلصنا من الأمراض والأخطار.
إن الغذاء العضوي هو ما أنتجت عناصره الأرض الطبيعية الخالية من الكيماويات، لا يمكن إهماله أبداً، لكونه مصدراً أساسياً للعناصر الغذائية التي تحمي خلايا أجسامنا وأنسجتها من المواد السامة والمحفزة للأمراض، إنها بلسم مجهول الفوائد عندنا، وإلا فما السبب في إهمالها لوضع هذه الكنوز من الصحة في غذائنا.
القاعدة العامة في علم التغذية تقوم على “ما يجب أن نأكله كل يوم من أغذية حية نافعة محتوية على ما يلزم للجسم من عناصر مغذية، لنتغلب على الضعف والمرض ونحتفظ بالقوة والصحة”.
وباتباع هذه القاعدة بدقة يمكن تجنب عدد كبير من المصاعب الغذائية المرهقة.
لكي تغذي جسماً حياً، يجب أن تعطيه أطعمة حية، تناول كل شيء طازج، تناول كل شيء مملوء بعناصر النمو، أنت محتاج للخضراوات والفواكه والحبوب والبقول واللحوم والألبان المشبعة بنور الشمس وبالعصارات الحية.
إننا لا نقبل دليلاً على صحة أجدادنا، كانوا يأكلون
الأغذية بحالتها الطبيعية، أغذيتهم طازجة، لم يضعوا في حساباتهم مصطلح حفظ المتبقي من الطعام المطبوخ، لم يكن لديهم ثلاجات لحفظ الأغذية، هم يتمتعون بنعمة الصحة، لديهم مناعة عظيمة، ولا يصابون بأي نوع من الاضطرابات الصحية، فلم يكن لديهم أمراض العصر ولا مشكلاته، يعيشون على ما تنتجه الأرض الطيبة.
لقد بدأنا ندرك أن أساليبنا نحن في صناعة الغذاء أوجدت أمراضاً في غذائنا، وأن أحسن الأغذية تفقد قيمتها الغذائية من متشابكات العلوم وحصاد التقنيات.
• مما يشير إلى أن إطالة فترة التخزين بالتجميد عرض بروتينات ودهون اللحم إلى عمليات الأكسدة.
البحث: أ. د. أزهر مات عيسى – المحاضر في جامعة سينز، ماليزيا.
اليوم نرى أن الشركات المصنعة للأغذية تلجأ إلى تدعيم منتجاتها بالفيتامينات والمعادن نتيجة المعالجات الكيميائية التي أفقدت قسطاً كبيراً من قيمتها الغذائية أثناء الإعداد والتصنيع.
الأغذية المصنعة أو المعالجة أو المنقاة أو المصفاة، إن هذه الأغذية الميتة لا تقدم للأشخاص ما يحتاجون إليه، في الوقت الذي يحقق فيه الأغذية الحية كل لقمة منها مجددة للجسم ومقوية له.
هناك قاعدة جوهرية يسير عليها الصحيون هي: تجنب الأغذية المصنعة والمعالجة بمواد الحفظ وتحسين اللون والنكهة والقوام وغير ذلك من قائمة المضافات الغذائية، والأطعمة المدعمة بالفيتامينات والمعادن.
إن السر العظيم في تجنب المشاكل الصحية هو أن لا تبقى يوماً بدون تناول الأغذية الطازجة الغنية بمضادات الأكسدة والعناصر المعدنية والألياف الغذائية.
نجد كثيراً من الناس يلتفون حول المائدة ويحدقون في قائمة الأطعمة ليختاروا منها كمية من المأكولات المضرة بالصحة أو غير الملائمة للجسم تماماً، لأنهم يخضعون لحكم أذواقهم، ولا يقيمون للذوق الغذائي وزناً، ويقول: ” لا آكل من هذا، لا أحب هذا ” يعود بنفسه إلى عهد الطفولة، إن هذا المبدأ ليس حسناً، فالرضا والقبول لا يقدم على حساب القيمة الغذائية، المهم أن يعرف الإنسان قيمة الصحة الجيدة ويكافح لأجل الحصول عليها.
إذن: ما هي الأطعمة التي تعطينا العناصر المغذية؟ وكيف يمكن اجتناب التعب ومصاعب الحياة واكتساب الحيوية والنشاط؟ وكيف نحمي أجسامنا من المرض؟
وبإيجاز: كيف لنا التعرف على وسائل بناء الصحة الجيدة؟
في هذه الأيام نرى الكثير من الناس يعانون ضعف الجسم وانحطاط القوى، ويظهر على وجوههم القلق والكآبة، أجسام مترهلة، لا قوة ولا شباب فيها، تشتكي من الإعياء أو الكسل والخوف من السمنة وتراكم الشحم.
عرف الأطباء واختصاصيو الغذاء وذوو الثقافة الصحية منذ سنين عديدة أن الأشخاص الذين يتناولون الغذاء الصحي، ويمارسون النشاط البدني، ويعطون أنفسهم القسط الكافي من النوم، ويبتعدون عن مصادر التوتر، وموجات القلق، والضغوط النفسية والجسمية، هم أقل الناس عرضة لأخطار أمراض العصر.
إن تغذية جيدة لا تكفي وحدها، بل يلزم معها: النشاط البدني، والراحة والنوم، فلكل منها مهمته ودوره.
وليكن شعارنا في الغذاء الصحي قائم على التحالف التالي: الأغذية الطازجة من خضار وفواكه وحبوب كاملة وبقول وأسماك وقليل من اللحوم والدواجن المطبوخة على نار هادئة، والفواكه المجففة والعسل الطبيعي وزيت الزيتون البكر والمكسرات + النشاط البدني + النوم الجيد، والعيشة الهادئة المتزنة، والنشاط بدون تعب، كلها جوهرية، ليس لشفاء المرض، بل للوقاية من الأمراض المستعصية، إن هذه المبادئ إذا اتبعت وطبقت، فلا شك أن جميع الأمراض ونتائجها المشؤومة ستكون ذكريات الماضي النحس !
بعض الأطباء المعالجين يوصون مرضاهم بتناول الفيتامينات والمعادن والألياف الغذائية على هيئة مكملات غذائية أو مستحضرات صيدلانية، في حين أن اختصاصيي الغذاء ينصحونهم باللجوء لمصادرها الطبيعية، وإدخال الغذاء الصحي يساعد على شفاء كثير من الأمراض، والوقاية منها، وإكساب الجسم مناعة ضدها.
لقد أصبح من الواضح أن التغذية لها قدرة على الإصلاح والتجديد أكبر مما أدركه العلاج الطبي.
وقد ثبت للكثيرين أن التغذية الجيدة تعطي نتائج جيدة، وأنه إلى جانب الصحة واللذة سيعطيهم الجمال وزيادة في حياتهم يقضونها في صحة جيدة.
فكروا قليلاً، واستحضروا في ذاكرتكم مقدار إيراداتكم من صحتكم إذا ظلت سليمة، ألا تريدون أن تتجنبوا الأمراض؟ تخيلوا ما يجب عليكم دفعه من نفقات والوقت والجهد والانتظار للمعالجة في المستشفيات، فعوضاً عن أن تشعروا بالتعب، ألا تريدون أن تحتفظوا بالحيوية والنشاط؟ وعوضاً عن تتكبدوا المصروفات الطائلة على صحة أجسامكم، ألا تفضلون أن تتجنبوا آلام الأجسام بغذاء صحي؟
الغذاء الصحي مفتاح الصحة والنشاط، النابهون الناجحون هم الذين انصرفوا إلى العناية بأجسامهم، هم أنفسهم أصبحوا يدركون الحاجة الماسة لغذاء صحي، هم لم يمرضوا ولم يراجعوا طبيباً – بإذن الله – نعم يتفاخرون بأنهم لم يذهبوا قط إلى طبيب! فهل تفكرون بأيام التعب حين تضطرون للذهاب إلى المستشفيات أو العيادات، لهذا الطبيب أو ذاك، وتتكبدون مبالغ طائلة؟ لقد سئم المرضى من مراجعة المستشفيات، وتناول العقاقير الطبية والمستحضرات.
اليوم دارت عقارب الزمن حتى لم نعد نحس أنها تدور لسرعتها، وبتنا نسمع عن أمراض ما كنا نسمع بها أبداً، وموتى لأسباب غريبة.
هذا لا جدال فيه! إذن، إن الصحة تكلف ذهباً، وهي أثمن بكثير مما تظنون! إنها نعمة الخالق إلى المخلوق، إنها نعمة الصحة، فما أغلاها وأعظمها من نعمة!
منصور الصلبوخ
اختصاصي تغذية وملوثات