المسؤولية تجاه العائلة
برّ الوالدين
تقدم في الخاطرة السابقة تحت رقم ١٤ / ٢ الحديث حول الآثار الدنيوية والأخروية لبرّ الوالدين، ولم نتعرض للآثار المتعلقة بعقوق الوالدين لعدم إطالة تلك الخاطرة وسنتحدث فيها هنا، وأيضًا عن الحدّ الأدنى لعقوق الوالدين مختصرًا.
كذلك هنا سنستنطق الروايات الشريفة المروية عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم أجمعين في ذلك.
لعقوق الوالدين مساويء خطيرة جدا وآثار سيئة تنذر وتتوعد العاق بالشقاء الدنيوي والأخروي.
نحن علمنا سابقًا أنًّ العقوق من كبائر الذنوب التي توعَّد الله عليها بالنار، كما صرحت بذلك الروايات الشريفة عن أهل بيت العصمة.
آثار العقوق الدنيويـّة:
تعجيل العقوبة:
روي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاثة من الذنوب تعجّل عقوبتها ولا تؤخّر إلى الآخرة: عقوق الوالدين والبغي على الناس وكفر الإحسان)).
العاق يشاهد أهوالًا مريعة عند الوفاة ويعاني شدائد النزع وسكرات الموت ولا تؤخر للآخرة.
روي عن أبي عبد الله الإمام عليه السلام أنًّه قال: ((إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله حضر شابًّا عند وفاته فقال له: قل لا إله إلا الله.
قال: فاعتقل لسانه مرارًا.
فقال لامرأة عند رأسه: هل لهذا أم؟
قالت: نعم، أنا أمه.
قال: أفساخطة أنت عليه؟
قالت: نعم ما كلمته منذ ست حجج.
قال لها: ارضِ عنه.
قالت: رضي الله عنه برضاك يا رسول الله.
فقال له رسول الله: قل لا إله إلا الله.
قال: فقالها.
فقال النبي (ص): ما ترى؟
فقال أرى رجلًا أسودًا قبيح المنظر وسخ الثياب منتن الريح قد وليني الساعة فأخذ بكظمي.
فقال له النبي: قل (يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل مني اليسير واعف عني الكثير إنك أنت الغفور الرحيم ).
فقالها الشاب.
فقال النبي: انظر ماذا ترى؟
قال: أرى رجلاً أبيض اللون حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب في وليني وأرى الأسود قد تولى عني.
قال: أعد.
فأعاد.
قال: ما ترى؟ قال: لست أرى الأسود وأرى الأبيض قد وليني ثم طفى على تلك الحال)).
آثار العقوق الأخرويـّة:
لا تقبل الصلاة:
روى الشيخ الكليني عليه الرحمة عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ((مَنْ نظر إلى أبويه نظر ماقت، وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة)).
فكل من ينظر إلى أبويه نظرة شدة وغلظة أو قول فيه شدة وغلظة وهما ظالمان له أيضًا لا أنه بغير ظلم له فلا تقبل له صلاة التي هي عمود الدين وميزان قبول الأعمال وأحب الأعمال إلى الله والناهية عن الفحشاء والمنكر بل هي رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين. الآيات المباركة و الروايات الشريفة نطقت بذلك لأهميتها:
قال تعالى: ((… وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ….)).
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ((الصلاة عمود الدين، من أقامها فقد أقامها، ومن تركها فقد هدمها)).
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال:
((ليكن أكثر همك الصلاة، فإنهـا رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين)).
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ((أحب الأعمال إلى الله عز وجل الصلاة، وهي وصايا الأنبياء)).
عدم رؤية الرسول صلى الله عليه وآله:
روى الشيخ النراقي عليه الرحمة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: ((كلّ المسلمين يروني يوم القيامة، إلّا عاقّ الوالدين، وشارب الخمر، ومَنْ سمع اسمي ولم يصلِّ عليَّ)).
جزاؤه النار:
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ((كن بارًّا واقصر على الجنّة وإن كنت عاقًّا فاقصر على النار)).
روى الشيخ النوري عليه الرحمة عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ((مَنْ أصبح مسخطًا لأبويه، أصبح له بابان مفتوحان إلى النار)).
لا يشمّ ريح الجنّة:
وروى الشيخ الكليني عليه الرحمة عن الإمام أبي جعفر عليه السلام أنه قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كلام له: إيّاكم وعقوق الوالدين، فإنّ ريح الجنّة توجد من مسيرة ألف عام، ولا يجدها عاقّ، ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جارٍ إزاره خُيلاء. إنّما الكبرياء لله ربّ العالمين)).
وروى في المستدرك عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ((إذا كان يوم القيامة، كُشف غطاءٌ من أغطية الجنّة فوجدَ ريحها من كانت له روح من مسيرة خمسمائة عام، إلّا صِنفٌ واحدٌ، فقيل له: من هم؟ قال عليه السلام: العاقّ لوالديه)).
عدم قبول العمل:
يا ترى أي عمل لا يقبل من العاق لوالديه لو عمله من طاعة الله، وما هو مقدار هذا العمل، وإلى أين يصل؟ هل يصل إلى عمل الأنبياء وهم الذين عرفوا الله حق معرفته حتى نالوا القرب الإلهي المطلق كل بحسب مرتبته وأفضليته من هو أفضل من رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله؟
هو أفضل الخلق وهو نبي من أنبياء الله فمن يقرأ سيرته المباركة يعلم مدى قربه من الله في عبادته وأبلته العبادة حتى خاطبه الله تعالى بقوله: ((طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى))، ويناجي ربّه في وقت عبادته ويقول: ((إلهي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً)).
والوظيفة العظمى وهي التبليغ، وما أدراك ما تبليغ النبي الأعظم صلى الله عليه وآله كان يبلّغ من في وسط أناس أميين، بل كان من سذاجتهم أن يمدّ الرجل رجليه ويستلقي ويقول يا محمد حدّثنا، هكذا كان عمل النبي وما لاقاه من محن، لسنا بصدد هذا الأمر ولكن باختصار لتوضيح المراد هذا مجمل من عمل الأنبياء.
روى الشيخ النراقي عليه الرحمة في جامع السعادات الحديث القدسي: ((لو أن العاقّ لوالديه يعمل بأعمال الأنبياء جميعاً لم أقبلها منه)).
حدّ عقوق الوالدين:
حدد لنا القرآن الكريم أدنى مستوى لعقوق الوالدين قال تعالى: ((وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)).
وعن هذا الحدّ قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله في المروي عنه: ((لو علِمَ الله شيئاً هو أدنى من أُفّ لنهى عنه وهو من أدنى العقوق)).
وروى الشيخ الكليني عليه الرحمة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ((لو علم الله شيئًا هو أدنى من أفٍّ لنهى عنه، وهو من أدنى العقوق. ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحدّ النظر إليهما)).
وروى الشيخ النوري عليه الرحمة أنه قيل للإمام زين العابدين عليه السلام: ((أنت أبرّ الناس، ولا نراك تُواكل أمّك”١” قال: أخاف أن أمدّ يدي إلى شيء، وقد سبقت عينها عليه، فأكون قد عققتها)).
“١” توفيت والدة الإمام السجاد عليه السلام السيدة شهربانو في نفاسها أي حين ولادتها للإمام زين العابدين (عليه السلام).
نختم هذه الخاطرة بدعاء الإمام السجاد صلوات الله عليه لأبويه صلوات الله عليهما حتى نتنبه جيدًا لحق آبائنا:
((اللّهم اجـعلني أهـابهما هيبة السلطان العسوف، وأبرهما برّ الأم الرؤوف، واجعل طـاعتي لوالدي وبري بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان، وأثلج لصدري من شربة الظمآن، حتى أوثـر على هواي هواهما، وأقدّم على رضاي رضاهما، وأستكثر برهما بي وإن قـل، واستقل بري بهما وإن كثر، اللّهم خـفض لهما صوتي، وأطب لهما كلامي، وألن لهما عريكتي، وأعطف عليهما قلبي وصيرني بـهما رفيقاً، وعليهما شفيقاً)).
لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك ابق في بيتك واتبع نصائح الجهات المسؤولة.