المسؤولية تجاه العائلة….
برّ الوالدين…
سنتحدث في هذه الخاطرة عن أمر مهم حيث نال عناية بالغة من قبل الله سبحانه وتعالى وهو البرّ والإحسان إلى الوالدين.
هناك بعض القضايا يمكن للعقل أن يتوصل فيها وبشكل مباشر ومستقل أو ما تدل عليه العاطفة كذلك.
مع ذلك نرى الشريعة المقدسة لا تلتزم الصمت حيالها نراها تعطي توجيهاتها وتعليماتها في ذلك كما في قضية البرّ والإحسان للوالدين.
حيث لم نلمس مثل هذه التأكيدات في الإِسلام إِلاّ في قضايا نادرة أُخرى.
مع أن العاطفة الإنسانية والمعرفة لحقائق الأمور كفيلان بذلك.
نرى ذلك جليا من خلال النظر إلى القرآن الكريم في بعض آياته المباركة حيث نرى انتقال الله جلّ وعلا وبصورة مباشرة من الدعوة إلى عبادته تارة أو من خلال الدعوة إلى عبادته وعدم الشرك به أو من خلال اقتران عبادته جلّ وعلا بالإحسان إلى الوالدين وهذا دليل جلي على مدى الأهمية العظمى لما يوليه الإسلام للوالدين.
قال تعالى: {لاَّ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلـهاً ءَاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولا * وقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلآَّ إِيَّاهُ وَبِالْولِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَّهُمَا قَولا كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَما رَبَّيانِى صَغِيراً}.
وقال تعالى: {واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إِحسانا}.
وقال تعالى: {ألّا تُشْرِكُوا بهِ شيئاً وبالوالدين إِحساناً}.
وقال تعالى: {لا تعبدون إِلاّ إِيّاه وبالوالدين إِحساناً}.
فمن خلال النظر إلى الآيات الشريفة المباركة نرى أن البرّ بالوالدين يرقى إلى مستوى التوحيد لما لهذا الأمر من أهمية عظمى.
محور هذه الخاطرة سيكون حول الآية الأولى ونلاحظ أنها بدأت بالتوحيد {لاَّ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً ءَاخَرَ}. واستخدم كلمة (لا تجعل) ولم يقل (لا تعبد) لأن مفهوم لا تجعل أوسع وأشمل من كلمة (لا تعبد).
فلا تجعل مع الله معبودا آخر لا في العبودية ولا غيرها من الدعاء والعقيدة حتى لا تقعد ماذا؟
أجابت الآية المباركة: {تَقْعُد مَذْمُوما مَخْذُولا}؛ ضعيفا عاجزا.
ثم انتقل الله سبحانه وتعالى ليؤكد أنه قد حكم وأمر بأن العبادة لله وحده فقط. لا أن تشرك معه أحدا قط {وَقَضَى ربُّك ألاّ تعبدوا إِلاّ إِيّاه}.
بعد ذلك ذكر مصداقا من مصاديق العبادة وهو الإحسان إلى الوالدين {وَبِالوَالدَيْن إِحْسَاناً}.
فعند النظر إلى الآية الشريفة المباركة نرى أن الله قد أمر بالإحسان إلى الوالدين فعدم الإحسان إلى الوالدين يكون على حد الشرك بالله. ولأن خلاف الإحسان يدخل في عقوقهما الإساءة إليهما. فما معنى الإحسان لهما؟
فقد ورد معنى الإحسان بل قانون التعامل مع الوالدين في قول الإمام الصادق صلوات الله عليه:
عن أبي ولاد الحناط قال: “سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل {وبالوالدين إحسانا} ما هذا الإحسان؟ فقال: الإحسان أن تحسن صحبتهما وألا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين ألم يقل الله عز وجل: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.
قال: ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): وأما قول الله عز وجل: “إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما”.
قال: إن أضجراك فلا تقل لهما: أف، ولا تنهرهما إن ضرباك.
قال: {وقل لهما قولا كريما}، قال: إن ضرباك فقل لهما: غفر الله لكما، فذلك منك قول كريم.
قال: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} قال: لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يدك فوق أيديهما ولا تقدم قدامهما.
فقول الإمام عليه السلام “الإحسان أن تحسن صحبتهما”، بالتلطف وحسن العشرة والطلاقة والبشاشة والتواضع والترحم وغيرها مما يوجب سرورهما وانبساطهما حيث أشار إلى ذلك المولى صالح المازندراني عليه الرحمة في شرح أصول الكافي.
ونشير كذلك إلى ما ورد عن الإمام السجاد علي بن الحسين صلوات الله عليهما في رسالة الحقوق حيث أشار إلى أمر مهم وهو حق الأب والأم.
حق الأب:
(وَأمَّا حَقُّ أَبيكَ فَتَعْلَــــــــــمَ أنَّهُ أَصْلُكَ، وَأنَّكَ فَرْعُــــــهُ، وَأَنَّكَ لَوْلاهُ لَمْ تَكُنْ. فَمَهْمَــــــــــا رَأيْتَ فِي نفْسِكَ مِمَّا يُعْجِبُكَ فَاعْلَمْ أَنَّ أَبَاكَ أَصْلُ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ فِيهِ وَاحْمَــــــــــــــــــدِ اللَّهَ وَاشْكُرْهُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَلا قُوَّةَ إلاّ باللهِ).
فحق الأب على ولده عظيم جداً فهو أصله ولولاه لم يكن وهو أصل النعمة على الولد ولذا يجب عليه تأدية الحق على أكمل وجه بما يتناسب وهذا الحق العظيم.
حق الأم:
(حَقُّ أُمِّكَ، فَـــــــــأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهَا حَمَلَتكَ حَيْثُ لا يَحْمِلُ أَحَدٌ أَحَدًا وَأَطْعَمَتكَ مِنْ ثَمَرَةِ قَلْبها مَا لا يُطْعِمُ أَحَدٌ أَحَدًا، وَأَنَّهَا وَقَتكَ بسَمْعِهَـــــــا وبَصَرِهَــــــا ويَدِهَــــا وَرِجْلهـــــا وَشَعْرِهَا وبَشَرِهَا وَجَمِيعِ جَوَارِحِهَـــــا مُسْتَبشِرَةً بذَلِكَ، فَرِحَـــــــــــةً مُوَابلَةً (مواظبة)، مُحْتَمِلَةً لِمَـــــــــا فِيهِ مَكْرُوهُهــا وأَلَمُهـــا وثِقْلُهـــا وَغَمُّهَا حَتَّى دَفَعَتهَا عَنْكَ يَدُ الـــــــــــــقُدْرَةِ وَأَخرَجَتكَ إلَى الأَرضِ فَرَضِيَتْ أَنْ تَشْبَــــــعَ وتجــــــــــــُوعُ هِيَ، وَتَكْسُوكَ وَتعْرَى، وَتُرْوِيكَ وَتَظْمَـــــــــأُ وَتُظِلُّكَ وتَضْحَى، وَتُنَعِّمَـــــــكَ ببُؤْسِهَـــــــــــــــا، وَتُلَذِّذُكَ بالنَّوْمِ بأَرَقِهَا، وَكَانَ بَطْنُهَــــــا لَكَ وِعَاءً، وَحِجْرُهَـــا لَكَ حِوَاءً (الحواء: ما يحتوي الشيء من حوى الشيء إذا أحاط به)، وثَدْيُهَا لَكَ سِقَاءً، ونَفْسُهَـــا لَكَ وِقَــــــــــــاءً، تُبَاشِرُ حَرَّ الدُّنيَا وبَرْدِهَـــــــــــــــــــا لَكَ وَدُونَكَ، فَتَشْكُرَهَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَلا تَقْدِرُ عَلَيْهِ إلاّ بعَونِ اللَّهِ وَتَوفِيقِهِ).
ما أعظم حقوق الأم فلولا حنانها الذي أولته إياه لما عاش لحظة واحدة منذ تكوينه ولما استمرت له هذه الحياة حيث فدته بروحها وسهرت وتعبت من أجله رعته بعطفها وحنانها إلى أن كبر. فهل من السهل تأدية حقها أم من الصعب أن يؤدى حقها.
فينبغي علينا أن نصحو جيدا من الغفلة قبل أن يفوت الأوان ولا نصل إلى ذلك اليوم الذي قال الله تعالى فيه: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.
لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك ابق في بيتك واتبع نصائح الجهات المسؤولة.