مر عامان على كتابته لرواية أهلته للفوز بجائزة القطيف للإنجاز ، دفعه لكتابتها الحدث الأليم الذي سفك دماء أبناء بلدته المصلين في يوم جمعة حيث قضت ارواحهم الطاهرة شهداء بمسجد الإمام علي عليه السلام في الثالث من شعبان لعام 1436 للهجرة.
وعن حيثيات كتابته لرواية “الشهداء” كان لنا مع الكاتب والشاعر والناقد محمد الحميدي الحوار التالي:
سؤالنا المطروح بين النقد والشعر والرواية ..أين يجد الحميدي نفسه؟
– هنالك رابط يجمع الفنون التي أكتب فيها، هو رابط العلوم الإنسانية؛ التي تختص بالإنسان، تهدف إليه، تسعى ناحيته، لا تنشغل بالعلوم، المعارف التقنية، أو الكمية.
العلوم الإنسانية باب واسع يمتد من المنطق، الفلسفة، اللسانيات، الاجتماع، النفس التاريخ، الآداب، الفنون، وغيرها، هذا ما يشغلني، ويشكل مجال اهتمامي، انشغالي، كتابتي في الأنواع الثلاثة تأتي من هذا المنطلق، صحيح أنني أجد في نفسي القدرة على التفكيك والتحليل والقراءة الخلاقة وتأويل الإشارات والرموز، واكتشاف الأخطاء التي تشوب الخطابات المختلفة، التي تتصارع من أجل التأثير علينا، واستمالتنا إلى جانبها، مثل الخطاب اليميني المتطرف أو اليساري العاجز أو الليبرالي المتلفع بقناع الدين أو الراديكالي الأصولي وغيرها، ولكنني لا أحاول الكتابة فيها بشكل مباشر؛ حتى لا أتجاوز قدرتي الفنية، التي هي مجالي، وفني الذي أبدع فيه.
الفني الأدبي هو الطريق الذي اخترته منذ سنوات تكويني الأولى، حينما رفضت الانخراط في القسم العلمي، مفضلا الاتجاه إلى الجانب الأدبي، وهو ما لامني عليه أساتذتي وأصدقائي، غير مصدقين بأن محمد الحميدي المتفوق في مادة الرياضيات والذي يجيد الممارسات الحسابية يترك مستقبله المنتظر في العلوم إلى الآداب؛ إنها اختياراتي الحياتية، هي ما أوصلتني إلى ما أنا عليه اليوم، من تعمق كبير في الجانب الفني الأدبي، تنمية مهاراتي الكتابية، قدراتي التحليلية، صياغتي لنظرية نقدية أقرأ عبرها النصوص، مستفيدا من السابقين، من المناهج الحديثة، القديمة.
بشأن الأنواع الثلاثة فإنني أحاول جاهدا المواءمة بينها، تشكيل كتاباتي وفق أحدها، وهو ما يتعذر أحيانا، ولكنني أحاول وسأحاول صهر كتاباتي لتصبح في النهاية شكلا واحدا؛ جديدا على المستوى الكتابي العربي، غير مسبوق إليه، بالطبع لا أعلم إن كانت محاولاتي ستنجح أم لا، ولكنني ما زلت موجودا بينكم، حينما أرحل، تستطيعون تقييم كتاباتي كما يجب، تصنيفها كما تحبون.
وأنا أنقسم في كتاباتي إلى ثلاثة أجزاء؛ الأكبر منها للنقد، أقل من ذلك للرواية، أقل للشعر أو للنصوص، فمحمد الحميدي واحد، وهو في التصنيف ثلاثة أجزاء؛ ثلاث مواهب تتواجد داخلي، تتصارع للبروز، الأبرز منها هو الممارسة النقدية، ثم تأتي الرواية، ثم تأتي النصوص.
– إطلالتك الأولى في عالم الرواية كانت برواية صمت فماذا أضافت للمشهد الروائي؟
رواية صمت كتبتها قبل حوالي خمسة عشر عاما، بعد فراغي من الجامعة، حصولي على الوظيفة، لها ظروفها الخاصة وقتها، أسبابها التي دفعتني لكتابتها، ثم أعدت ترميمها، تعديلها، نشرتها منذ سنوات قليلة، أضفت فيها فكرة الرمزية، حيث النهاية العجائبية، التي تجعل الإنسان في صراع مرير مع صمته، عدم بوحه، وهو ما يختاره لنفسه رغم قدرته على الحديث، أثر ذلك على ما يحدث بعد موته، أن تصمت رغم قدرتك على التكلم، سوف تثير علامات الاستفهام، التساؤل، أن ترفض الصعود للسماء بجسدك الأثيري سوف تزداد الأسئلة بالتالي، هنا القارئ مطالب بحل اللغز.
أظن رواية صمت أضافت للمشهد الروائي إمكانات الرواية الواقعية السحرية، حيث الحدث الخارق للطبيعة، هو ما يتواجد لدى كتاب مشهورين في العالم خصوصا في أمريكا الجنوبية، حيث لا يزال رائجا.
-حدثنا عن “الشهداء” وهل سارعت في الزمن لنشرها؟
ظرف كتابة رواية الشهداء مختلف عن ظرف كتابة رواية صمت، الشهداء رواية واقعية، تحكي حدثا فعليا، لا يمكن إنكار نتائجه، تأثيراته على الناس، أنا من ضمنهم، فلقد فقدت كما فقدوا، نزفتُ دمعي ومشاعري، روحي اختنقت حينها، شاركت في الأحداث بعدها، من تجهيز وتشييع وعزاء، وقفت مع الصفوف الطويلة، رفعت النعش فوق رأسي وألقيت عليه الورد، قبل اختتام العزاء في الخيمة المخصصة لذلك اختمرت فكرة الرواية في ذهني، بادرت بكتابتها بعد الفراغ مباشرة.
اختليت بنفسي، لا أخرج من المنزل، كتبت وكتبت وكتبت، سفحت دموعي مع كل سطر، أنجزتها في وقت قياسي، لا يتجاوز تاريخ 27 شعبان 1436هجرية، هو الشعر الذي وقعت المأساة في الثالث منه، هل يعني هذا أن الكتابة السريعة أفقدت الرواية خصائصها؟ كلا، والدليل هو فوزها بالمركز الأول في جائزة القطيف للإنجاز.
لغتها، أحداثها، رمزيتها، اتصالها بالمنطقة، اعتمادها على حدث واقعي، مأساويتها، جعلها مختلفة عن بقية الأعمال الروائية الصادرة.
– ما الذي دفع للتقدم في مجالين من مجالات جائزة القطيف للإنجاز؟
جميع المتسابقين تقدموا للفوز بأفضل أعمالهم، التي اعتقدوا أنها ستنال الجائزة الأولى، سوف تكلل مشاركتهم بالنجاح، المركز الأول، فعلت مثلهم، قدمت إنجازاتي الإبداعية التي أبرع فيها، ففي مجال القراءة النقدية التخصصية سوف يجد القارئ صعوبة في وجود منافس لي، إصداراتي المطبوعة تشهد بذلك، الإصدارات التي تنتظر الطباعة سوف تكرس هذه النظرة أيضا.
أما في مجال الرواية فالأمر يختلف، حيث المشهد الثقافي يعج بالكتاب الممتازين، زهراء الغانم، محمد المرزوق، مظاهر اللاجامي، منير النمر، آخرون، ستكون هنالك منافسة بالتأكيد، لكن حدة المنافسة لم تمنعني من الترشح، بسبب إيماني بما أكتب، قدرة رواية الشهداء على الفوز، هذا ما حصل، فأسلوبها المميز، بناؤها الفني العالي، لغتها الرائعة، هدفها، صلتها بالواقع، محاولة التأسيس لكتابة مختلفة، تندرج ضمن روايات الوعي، أهلتها للفوز، نيل المركز الأول.
ماذا يعني لك الفوز بعد مجموعة من الإصدارات المتنوعة بين النقد والشعر والرواية؟
الفوز لا يأتي من الفراغ، هنالك عمل ضخم في الخفاء، انتهى إلى الإنجاز، الجائزة هي ما يظهر في قمة جبل الثلج، الباقي مخبوء في الماء، لا يراه الآخرون، أن تكتب، تقدم الكثير للمشهد الثقافي، بهذا الزخم على مدى سنوات قليلة، حيث بلغت الكتب التي أصدرتها ثمانية كتب، آخرها لا زال في بيروت لم يصل بعد، عنوانه: صراع الأنساق الثقافية “الجذور والمآلات”، يعتبر الجزء الثاني من كتاب: السياق والأنساق “ما السياق؟ ما النسق؟”، بعد كل هذا العمل المتواصل، في الكتابة والتأليف والنشر، أتت الجائزة لتكون بمثابة المكافأة.
أرى الجائزة مكافأة معنوية ومادية، لكنها معنوية أكثر من أجل تجديد النشاط في كتاباتي، حتى أستمر بألق أكبر، أحاول رفع مهاراتي الكتابية، الوصول بها حد منافسة الكتاب المشهورين، من يدري، ربما يأتي اليوم الذي أنافس فيه على جائزة البوكر العربية، أسجل اسمي كأحد أبناء القطيف المميزين في الجانب الروائي، ليست القضية هنا قضية غرور، بل ثقة في النفس، إيمان بالقدرات، أنني أستطيع المنافسة، الفوز.
أيضا تفيد الجائزة في جانب معنوي آخر، لا يقل اهتماما؛ حيث تعمل على تهيئة البيئة المناسبة للتعريف بالكاتب المنجز، وإنجازه بين الناس، الذين هم هنا بيئة القطيف، هذا ما يفتقده الكثيرون.
ما الذي أسعدك أكثر فوز محمد الناقد ام الكاتب؟
الإنجاز المتميز يستدعي اهتماما، يستتبع فوزا، هذا ما حدث حين فوزي بالجائزة، لا فرق بين الشعر والرواية وقت الانتصار، صحيح أن لذة الرواية تدوم أطول، نشوتها لا تتوقف، إنما شعور الفوز يظل هو نفسه في الداخل.
الرواية خطاب إبداعي، سهل التواصل مع الآخر، يؤثر في الأعماق، شريحة واسعة تميل إلى قراءته، بخلاف الكتابة النقدية الجادة، التي تحتاج غالبا إلى متخصص من أجل قراءتها، بلوغ الفهم الكامل لمحتواها، لهذا أرى أن لذة الفوز بجائزة الرواية تدوم أكثر، خصوصا إذا وضعنا في الحسبان المنافسة القوية التي حدثت في هذا الجانب، أن الفوز لم يكن مضمونا.
ما هو الوقت الذي استغرقته لإنجاز الشهداء؟
رواية الشهداء لم تستغرق كتابتها سوى أسبوعين تقريبا، كانت جاهزة للنشر في رمضان 1436 عام المأساة، لولا بعض التأخير الذي حدث، وتسبب في تأجيل نشرها أكثر من عام ونصف.
الجدير بالذكر ان الحميدي قد فاز بجائزتين من جوائز القطيف للإنجاز متفرداً بهما في مجالي الرواية والنقد عبر تقديمه لرواية “الشهداء”، وقراءة نقدية لـ”الوهم، أزمة الحب، وغيرهم”، ولقد توج بهما في الحفل الذي أقيم مساء السبت 15 أبريل في قاعة الملك عبدالله بالقديح.