من دخل بيتنا أكل أگويتنا

الفقر لا يقف عثرة في جادة الضيافة، والفاقة والحاجة لا تمنع روعة استقبال الضيف،  ونشوة الترحيب بالزائر..

يكفي للوافد أن يتنحنح، غاضا بصره، قائلا: “إحي الله.. إحي الله..” حتى يرى سبيله سالكة للدخول.

يستقر به المجلس، يأكل من قوت البيت ولو كان من طعام الزاهدين..
يستأنس باللقاء، ويأنسون به؛ حتى تغدو المؤانسة القهوة التي تدار، وماء الورد الذي به يترشفون.

يلج بسلام، وقد يبدأ بالسلام على النساء قبل الرجال؛ من غير غضاضة في عادات، ولا حرج في حشمة.

القلوب يؤنسها حسن الظن، واللسان يلطفه نقاء السريرة، والبشاشة تعطر جو الأخوة، وأريج المودة، في بساطة عيش، ورفاهية أخلاق.

فلا ينفتل الأصحاب الأحباب؛ إلا وقد غنموا من الحب الكثير، ومن الذكريات ما يضيء لهم دروب الحياة.

أغلب الجيران في ذلك الزمن أصدقاء، بل أخوة أصفياء؛ فالحميمية تلف بيوتاتهم المتراصة كيواقيت الرّمان، والمتلاصقة كحبيبات دوّار الشمس. والجارة ليس بينها وبين مطبخ جارتها إلاّ جسر وممرٌ يربط بين الدارين، تتناول ما تحتاج، وتترك ما يفضل عندها أو يرجى منها.

القناعة كنزهم، والسماحة سجيتهم، بأنفس طيبة معطاءة؛ مهما قست الظروف وادلهمت الأيام.

ولك -يا خليلي- أن تتصور أطفال الحي وهم في مرحهم ولهوهم يصدرون من بيت ويردون آخر كفراشات أمتعها طيرانها وتنقلها من بستان إلى آخر؛ أو كالنور ينسرب من ضفة ليلج في ضفة آخرى، وعندها يحق لك أن تتنفس تنفس الصبح بالأمل والحب والحياة.

“وما الخصبُ للأضياف أن يكثر القرى
ولكنّما وجه الكريمِ خصيب “


* مثل محلي،  أقويت: تصغير قوت


error: المحتوي محمي