بتولٌ كريح الصِّبَا

وانطفأت شمعة كانت تُضيء جزءًا من ذكريات الطفولة التي أخذت تمرح في عالمنا الصغير، بين ضحكة وسعادة.

عندما يداعبنا الحنين إلى الماضي البعيد عن طفولة بريئة وأيام سعيدة نتذكرها، حينما أُقلِبُ تلك الصفحات العطرة من سجلاّتِ حياتي أراها أيامًا ضَاحكة، ُمشرقةً ممتلئة بالعنفوان.

وتبقى الذكرى هي الرباط وحلقة التواصل بيننا وبين من نُحب، فحياتنا مجرد ذكريات يومية! تُسجْل وقائع الأحداث وأيامنا تدونها.

وللأسف أيضًا تُدون الجراح، فالحياة شريط والذكرى محتواه من أيامنا وجمال طفولتنا، إذ كنا نلتقي في بيت الوالدة الحنون أم علي معيلو، قد جمعتنا الأيام فيه عندما كنا صغارًا، حيث كانت الحاجة المرحومة أم علي تجمع الأحباب في بيتها وتطعم الطعام على حب الله كنا نتسابق لتوزيع البركة على بيوت الجيران في تلك السويعات الجميلة، ذكرياتٌ نشتاقها فتُبكينا، يزداد الحنين إليها فتذرف دموعنا كل تلك اللحظات التي عشناها كانت مملوءةً بالسعادة، فيها بركات الدعاء وجمال العطاء، وأيُ عطاء!

قد مرت السنوات وحملت بين طياتها كل شيء عشناه، حتى رحلت أم علي ورحلت الأيام المباركة الجميلة، والآن أنتِ بعدها ترحلين، أيتُها البتول.. ما أعجلكِ على الرحيل إليها؟!

حنانها، قلبها الطيب، دعاؤها الذي كان يتناثر على مسامعنا كاللؤلؤ يبهج القلب، ويرفع الهم.

بتولٌ أنتِ كالزهرة في ذاك البستان الذي زرعته أم علي، حيث سقته بحبها وحنانها وخيرها ودموعها، فتغذت روحكِ من روحها، لتبقى الذكريات ويبقى وجهكِ الباسم وضحكاتنا وترانيم الأشعار التي رددناها سويًا في أيام عاشوراء، ملأْت حياتنا حُبًا أبديًا.

مضى من السنوات ما مضى، حتى أصبحت البتول أمًا لِصبا وزهراء وزينب وحسن “نجومٌ ثلاث وقمرٌ واحد، هلّا تمهلتِ لتُشعلي شموع زفافهم وتنثري الريحان وتزغردي فرحًا!

بتولٌ أنتِ كريح الصِّبا، ذاك النسيم السحري الذي يحمل السرور والبهجة في نسائمه وهدوئه، إذ كنتِ تحملين قلبًا طيِّبًا وروحًا نقية، فهذه أرواحنا غارقةٌ بما فيها من ألمٍ لفقدكِ اليوم، فيالها من حسرة وجمرة فراق لا تبرد.

عندما هطلت الأمطار ليلة رحيلك، استشعرنا بأنها ستكون بشائر سعد سترفع الهم والأحزان عنا، وسيكون للمرضى في دعائنا منها نصيب، فرفعنا الأكف بالدعاء، إنها لساعات استجابة لا ندري أنَّ الأرواح المتعلقة بالله قد حان عروجها إليه، فكنتِ من بيننا راحلة ولنا مودِّعة، اختاركِ المولى لقربه.

فطوبى لكِ هذا الخُلق الرفيع، والقلب الحاني الدافئ بالحب، فقد كنتِ بارةً بوالديكِ وفراقك صعبٌ على أحبتك، قد خلفتِ وراءك زهراتكِ للألم واليتم وطول انتظار.

هلا تمهلتِ قليلًا أختي، صديقتي، عزيزتي لنتعانق ونتزود! بتول لوداعك لم أحظى وهذا هو القدر ولكن أمانتي لكِ وصلت إليكِ، قبلةٌ على ذاك الجبين.

فخذي دعائي لكِ بالرحمات بأن يسكنكِ المولى جنانه ومرافقة محمد وآله وأن يرحمك ويجعلك من الساكنين بجواره في مقعد صدق عنده إنه أكرم الأكرمين، وأن يلهم ذويك الصبر والسلوان.

إنا لله وإنا إليه راجعون.


error: المحتوي محمي