البراهيم: تجربتي تختصر الـ15 عامًا .. وشخصياتها الملهمة من بلدي

بين حلم، ومشوار طريق، أعوام، مداد ربيعها 15 عامًا، من الحياة الأكاديمية، تحمل في تفاصيلها اليتم، ليس بفقد حنان الأم، وأمان الأب، لكنه يتم الغربة، يتم الطموح، يتم الحلم، الذي ينشده الإنسان.

إنه اليتم، الذي لا يسكن للوحدة، للجلوس على قارعة الطريق في انتظار هدأة المساء، يمطر غيمها، إنه اليتم، الذي يقرأ الأمل، كأنه اشتياقات الأم إلى فلذة كبدها، والأب إلى وليده.

تجربة يتيمة
“أنت من تكون”، تجربة كتابية، يصفها ربانها، وكاتبها المدرب أمين البراهيم باليتيمة، كأنه أرادنا، أن نحدق مليًا في مفردة “اليتيمة”، ليأخذنا باتجاه أن نحلم، لنتعلم، ونجتهد، لنصل، ونكتب، لنقول إلى الآخرين إن المستقبل الوضاء نوافذه مشرعات، تنتظر القادمين من أحلامهم؛ لينجزوا من خلال ثقافة التغيير في حياتهم الشخصية والاجتماعية والأكاديمية والوظيفية.

جاء ذلك في محاضرة ألقاها البراهيم مساء الأربعاء في موقع حساب دار أطياف على قناة التواصل الاجتماعي “إنستغرام”، في حديث عن كتابه “أنت من تكون”.

يضع الكاتب البراهيم نفسه مكان القارئ، ويسأل من باب “إياك أعني واسمع يا جارة”؛ لماذا كتاب “أنت من تكون”، فيجيب قائلًا: “كان حلمي أن أكون معلمًا، وبعد التخرج من المرحلة الثانوية، وحصولي على تقدير ممتاز، انفرجت أساريري، لمعانقة حلمي، أسعى إليه بخطوات حثيثة، إلا أن عائلتي، كانت أمنيتها، أن أدخل كلية طب الأسنان، خصوصًا أن القبول فيه كان متاحًا لمن يحمل تقدير ممتاز حينها، لكني لم أكن راغبًا فيه إطلاقًا، فمضيت وراء شغفي أن أكون معلمًا”.

ويتابع: “التحقت بكلية المجتمع التي كان أول تأسيسها في مدينة الدمام، فقضيت فيها بضعة أشهر، لألتحق بكلية الجبيل الصناعية، بعدها ظهر الابتعاث، فذهبت مبتعثًا إلى أمريكا، وكانت دراستي فيها لمدة 10 سنوات”.

أمنيتي الحُبلى
وتحدث عن أمنيته قائلًا: “وخلال مشوار الدراسة، ثمة محطات، تمر على حياة الطالب، والمعنية بتكوين شخصيته، وحياته الاجتماعية، مرورًا إلى حياته الأكاديمية والوظيفية، وقد ورد عن الإمام زين العابدين “ع”، قوله: “هلك من لم يكن له حكيم، يرشده”، متابعًا: “كانت أمنيتي قراءة كتاب، يرشدني، كانت أمنيتي، لو أن أحدًا أخذ بيدي، ناحية الفائدة، التوجيه، الإرشاد في معرفة التخصص، الذي يناسبني، في كيفية تكوين شخصيتي، وكانت هذه هي أمنيتي ولهذا وضعت تجربتي في كتابي “أنت من تكون”، ليستفيد منها خريج المرحلة الثانوية في اختيار التخصص، وفي كل محطات حياته”.

مخاض الولادة
“رحلة التأليف، تبدأ عندما تنتهي من الكتابة، ولا تنتهي بانتهائها”، بهذه الجملة، يشير الكاتب إلى أن إصدار كتاب، يحتاج إلى التعب، والجهد الكبير، بعد الانتهاء من الكاتبة تبدأ من التصميم الخارجي والداخلي للكتاب، موجهًا باختيار المصمم الكفؤ، الذي يتقن العملية في تصميم غلافي جذاب، يختصر محتوى الكتاب، إضافة إلى التصميم الداخلي.

وقال: “إن غلاف الكتاب، مهم جدًا إتقانه، لأنه، يعطي الانطباع الأول عن الكتاب”، وأشار إلى رحلة تدقيق الكتاب، ومدى أهميتها، داعيًا إلى أنه مهما كان الكاتب مبدعًا، وضليعًا في اللغة العربية، فإنه يحتاج إلى شخص آخر، يراجع الكتاب معه، ويدققه، بل يحتاج إلى أكثر من مدقق.

ونوه بأنه إذا كان هناك أكثر من عين تقرأ فسوف تكتشف الأخطاء بشكل أفضل وأكثر، موجهًا الكُتّاب بعدم الاعتماد على مدقق واحدً مشددًا على متابعة الطباعة أولاً بأول، لما يكتنفها من احتمالية الوقوع في الأخطاء، لتجنب حدوثها قبل اعتماد الكتاب، مؤكدًا أن الكاتب، يشعر بأن الكتاب، هو مولوده.

أنت من تكون؟
وتحدث عن كتابه “أنت من تكون”، الذي طبع مرتين، الأولى في دار أطياف، والثانية دار أطياف وروافد، آخذًا منه مقتطفات، لما يحتويه حيث جاء في أربعة فصول؛ الفصل الأول، تناول إرادة وإدارة التغيير، بشحذ الهمة، ليسير الطالب في طريق التغيير والتصحيح.

وتساءل: “هل لدينا القدرة على البحث، والتنقيب عن تجارب الآخرين، لنستفيد منها، ونسقطها على حياتنا؟”، مجيبًا: “إن البعض، لا يفكر بالبحث، وإن بحث، ووجد النماذج والتجارب، التي يستفيد منها؛ ويدق بوابة التغيير، وفجأة يقف، لماذا؟، لأن الطريق متعب”، وقال: “إنه فصل، بمجمل أحرفه تحفيزًا، ويشتمل على نظريات بهذا الشأن وبعد فتح الباب، ورغبة التغيير، جاء الفصل الثاني، ليضيء الطريق ناحية بناء الشخصية، وآليتها”.

يعود المدرب في سؤال آخر، أكثر مباشرة، مفاده: كيف نختار الشخصية، لنلبسها ذواتنا وأفكارنا، وتفاصيل حياتنا؟
ويجيب بأن كثيرًا من الشخصيات، تبنى بالصدفة، نتيجة اختلاطها، مع المجتمع، وما يفرزه من ثقافة، يلتقطها المرء، وتتشكل شخصيته بناء على ما يلتقطه، ويعيشه، دون قصد أو وعي، لهذا ينبغي أن نتبنى التغيير والتصحيح كمنهج نتبعه في أفكارنا وسلوكنا وكل ما من شأنه أن يجعل شخصيتنا سوية، متميزة من خلال اكتساب المهارات التواصلية في علاقتنا، مع الآخرين، فالمهارات التي نحتاجها باتساع أفقنا.

وأكد الحاجة إلى تعلم مهارات التأثير، وأدواته، لنستطيع التأثير على الآخرين، ويقول: “إذا لم أتأثر، فلن أتغير، إن من فوائد الصدمة، أنها تفتح الشرفة للتغيير، إذا تم استغلالها في وجهتها السليمة”.

وذكر أن الحياة فيها متغيرات كثيرة، لا تنفع معها الثوابت، وهي كالمهارات الرياضية، بحيث نستخدم المهارة في الوقت والمكان، ومع الشخص المناسب.

وبين الفرق بين التعلم، والتدريب، بأن الأولى؛ تعليم الإنسان مهارة تواصل، فيعرفها، والثانية: تدريب هذا الإنسان على المهارة، مرة بعد أخرى، ليتقنها، وهي الأفضل، لأنه سيتعلم المهارة، التي يريدها، وتناسبه، ويحتاجها -بحسب رأيه-.

وتطرق في الفصل الثالث إلى تجربته الأكاديمية، حيث لم يخجل من استعراض تجاربه الفاشلة -بحسب قوله-.

وذكر أن مشاركة الآخرين التجارب الناجحة، لها ضفافها الإيجابية، ولكنها قد تشكل أيضًا من جهة أخرى عائقًا، حيث يشعرون أنهم لا يستطيعون بلوغ هذه النجاحات، وأن هناك بونًا شاسعًا بينهم، وقال: “مشكلتنا أننا نفرض على الآخرين إنجازاتنا، وتجاربنا الناجحة، لهذا نخلق بيننا وبينهم مسافة كبيرة”.

ونوه بأن مشاركة الآخرين، تجاربنا الفاشلة، لها ذات الإيجابية، وربما تفوقها، موضحًا أن الفشل، يجعلهم قريبين من ساحاتنا، ليجتهدوا.

وفي فصله الرابع، تكلم عن الحياة الوظيفية، مستعرضًا مجموعة من المحطات، منها: كيفية التعامل مع المدير، والجودة في الأداء.

وذكر أن الكتب تمثل مرشدًا للآخرين، سعيًا للنجاح في الحياة، مضيفًا أن الكاتب، يقدم معلومة، متى ما طبقها القارئ تأتيه الاستفادة على طبق من المعرفة، وقال: “حولت كتابي إلى دورات تدريبية، قدمتها في المجتمع، كذلك في الكلية التقنية، متناولاً فيها عدة مواضيع منها الشخصية والإدارية، التي تهتم بتصحيح مسار الإنسان”.

وأشار إلى أنه بعد رجوعه من أمريكا، مارس مهنة التعليم في جامعة الملك فيصل بمدينة الأحساء، وبعدها صار معلمًا في الكلية التقنية في مدينة الدمام، ليأتي كتابه الذي أعاد صياغته أكثر من مرة، سعيًا إلى أن يأتي متوافقًا، لشريحة أكبر من المجتمع، والمنهج الذي يدرسه فيها، مؤكدًا أن فلسفة التغيير والتصحيح، لها فاعلية، حيث إن البعض تتغير حياته بمجملها من كلمة واحدة.

التسويق فن
وفي هذا الجانب يقول بثقة: “أيها الكاتب، لا تعتمد على دار النشر في التسويق، فإن اعتمدت كليًا عليها، فلن يوزع كتابك.

وتساءل كعادته، كأنه أتقن لغة السؤال: التسويق مسؤولية الكاتب أم دار النشر؟ وهل يتحول الكاتب إلى مسوق؟
مجيبًا: “إن التسويق علم وفن، له أساليبه، لذا ينبغي أن يسوق الكاتب إلى كتابه، وهذا يأتي من خلال تعريف الآخرين به، وبما يحتويه بين دفتيه، مخاطبًا الفئة المستهدفة، وألا يضع كتابه في مكان، يفقده قيمته، حتى لا يسقط في التسويق غير المناسب”.

وأضاف: “فلا يكتفي الكاتب بما تقدمه دار النشر، من توزيع الكتاب، ليشارك في توزيع كتابه، فإن الكاتب، يهمه أن يقرأ كتابه أكبر شريحة ممكنة من المتلقين”.

قصص ملهمة
وتحدث في نهاية حديثه عن الذكاء الاجتماعي في كيفية تحويل الأزمات إلى فرص، تستثمر في تنمية المواهب، واكتشافها، وصنع الإنجاز.

وقدم نماذج ثلاثة من المجتمع كقدوة حسنة، وهي: الكابتن محسن آل إسماعيل، من ذوي الهمم، الذي استطاع تحويل إعاقته الجسدية، وتجاوزها، محققًا إنجازًا على مستوى المملكة، كونه أصبح بطلاً، والكاتبة ليالي الفرج ومعاناتها مع المرض التي جعلتها فرصة، استطاعت من خلالها أن تكتب عدة مؤلفات في رحلتها المرضية، والطالبة جنان المبيوق، الطالبة، التي تعثرت دراستها، والآن، تعمل في أكبر مستشفى في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقال: “لقد اتخذت هذه النماذج، من هنا، من بلدي، لتكون التجارب حية وحقيقية، مبتعدًا عن النماذج الأجنبية، الملهمة، لأنها قد تشكل عائقًا لنا، لأن لها بيئتها الخاصة، وحيثياتها، وظروفها، وطبيعة حياتها، التي تختلف معنا”.

وأوضح أن الإشارة إلى هذه الشخصيات الملهمة، لها فوائدها على ذات الأشخاص، ليحققوا إنجازات أخرى، ونحن، كقراء، نقتدي بهم، لنستفيد من تجربتهم، وثقافتهم، ونبع الإرادة في ذواتهم، والأمل، الذي يعيشونه، لنعيشه، نحن.


error: المحتوي محمي