خواطر لابد منها 5

عقوق الوالدين… من موانع استجابة الدعاء.

من خلال مطالعتي في الروايات الشريفة المروية عن أهل البيت صلوات الله عليهم استوقفتني مفردة في رواية شريفة وهي مروية عن سيد الساجدين الإمام زين العابدين ورواية أخرى مروية عن أبي عبدالله الصادق صلوات الله عليهما وغيرها من الروايات أن من موانع استجابة الدعاء عقوق الوالدين، فاستنهضتني هذه المفردة لأن أكتب الخاطرة حولها لما لها من الأهمية القصوى.

روي في معاني الأخبار:
أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال: “والذُّنُوبُ الَّتِي تَرُدُّ الدُّعَاءَ وَتُظْلِمُ الْهَوَاءَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ”.

وروي عنه أيضا صلوات الله عليه:
“عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا خَالِدٍ الْكَابُلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ زَيْنَ الْعَابِدِينَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَقُولُ‏: الذُّنُوبُ الَّتِي تُظْلِمُ الْهَوَاءَ؛
السِّحْرُ وَالْكِهَانَةُ وَالْإِيمَانُ بِالنُّجُومِ وَالتَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ.

ورى الكافي الشريف للشيخ الكليني عليه الرحمة:
رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنهُ قَالَ : “الذُّنُوبُ الَّتِي تَرُدُّ الدُّعَاءَ وَتُظْلِمُ الْهَوَاءَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ”.

ما معنى عقوق الوالدين؟
عرف العقوق بعدة تعريفات ولكن كلها تصب في معنى واحد تقريبا حيث عرّف بأنه هو كل فعل أو قول يتأذى به الوالدان من ابنهما قال ابن منظور: وعقّ والده يعقّه عقّاً، وعقوقاً ومعقّةً أي شقّ عصا طاعته ومن مصاديق التأذي مثلا علو الصوت والهجران وما شاكلهما، والعقوق الذي هو ضد البر.

من خلال الروايات المتقدمة نرى ان من أهم أسباب موانع استجابة الدعاء هو عقوق الوالدين حيث ورد فيها:
١- رد الدعاء
٢ – تظلم الهواء

وأما مفردة (رد الدعاء) يعني حبسه وعدم رفعه وعدم الاستجابة لمن يدعو وهو عاق لوالديه وذلك لعدم قبوله منه فيظل يحوم حول هذا الداعي إلى أن يرجع لرشده ويكون بارا بأبويه لأنه ارتكب ما يوجب سخط الله سبحانه وتعالى ولأن قبول الدعاء هو منوط برضاء الله الذي هو منوط برضاء الوالدين فإذا تحقق العقوق انتفى جميع ذلك فينتفى القبول فتحققت الملازمة.

في المروي قال الإمام أبو جعفر (عليه السلام) : “إن العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطيء فيذنب العبد ذنبا فيقول الله تبارك تعالى للملك: لا تقض حاجته واحرمه إياها فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني”.

وجاء في الحديث القدسي: “إن أول ما كتب في اللوح المحفوظ: إني أنا الله لا إله إلا أنا  من رضى عنه والداه فأنا منه راض ومن سخط عليه والداه فأنا عليه ساخط”.

نعم العقوق من الكبائر بل لا يدخل الجنة عاق لوالديه بل ويحرم التوفيق بالدنيا ولربما عجلت له العقوبة كما في المروي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أنه قال:
“ثلاث من الذنوب تعجل عقوبتها  ولا تؤخر إلى الآخرة؛ عقوق الوالدين  والبغي على الناس وكفر الإحسان”.

وأما مفردة (تُظْلِمُ الْهَوَاءَ):
الظلمة: خلاف النور والجمع ظلم وظلمات. (مجمع البحرين 6: 109 ـ ظلم).
الهواء:
هو الفضاء الذي بين الأرض والسماء ولكن لو لاحظنا لمّا جاء بهذه المفردة جاء بها مبالغة في ظلمة العقوق وقبحه.
وقيل: إنه لا يبعد أن يجعل كناية عن أنه يمنع قلب الإنسان عن إدراك الحق.

وقيل: إنه كناية عن التحير في الأمور أو شدة البلية وظهور آثار غضب الله في الجو.

وقيل: وقد يطلق على القلب الخالي من الخيرات وكل خالٍ فهو هواء منه قوله تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}…

ولذا ورد في الدعاء الشريف عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام: “واغفر لي الذنوب التي تظلم الهواء واغفر لي الذنوب التي تكشف الغطاء واغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء واغفر لي الذنوب التي ترد غيث السماء”.
ولعل المقصود هنا الكبائر المظلمة الموبقة.

أجارنا الله وإياكم من كبائر الذنوب واجعلنا من البارين بهما.

الخاتمة:
اختم هذه الخاطرة بقول الإمام السجاد سيد الساجدين وزين العابدين علي بن الحسين عليه السلام في رسالته الشريفة رسالة الحقوق حيث قال:
”وأمّا حقُّ أبيك، فأن تعلم أنّه أصلك، وأنّك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك ممّا يُعجبك، فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك، ولا قوّة إلّا بالله”.

لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك ابق في بيتك واتبع نصائح الجهات المسؤولة.


error: المحتوي محمي