إشراقاتُ صبحِ الأزمة – يوميات متفائل

جلستم تحتَ الشمس، تَكاتفتم، تَعاضدتم، تَعلمتم وعَلمتم، وبقيتم أحياءَ أصحاءَ دون الترفِ والبذخ الذي اعتدتم عليه. فعلتم كلَّ الأفعالِ الموجبة وهذا قسطٌ يسيرٌ من منافعِ الشدة التي يمر بها العالمُ الآن، ولا يعرفَ متى وكيف تنتهي.

من يظن أن هذهِ الأيام كانت هينةً فلابد أنه يُغطي الشمسَ بغربال! لكنني أكاد أجزم أن البشريةَ كلها، نعم كلها، سوف تفرح بانتهاء هذا الجاثوم المزعج الذي دامَ أطولَ مما تشتهي، وسوف يشتد فرحها حين تكتشف مواطنَ الخللِ والنقص وكلَّ الثغراتِ والفجواتِ التي حتماً سوف يعاود مرضٌ ما أو حالةٌ ما، جماعية أو فردية، التسللَ منها لتخريبِ منظومة حياتهم. والمبدع هو من يسرع من الأفرادِ والشعوب لاستخلاصِ العبر ووضع الحلولِ المستدامة.

سوف يسأل البشرُ أنفسهم: ماذا حصل؟ وكيف حصل؟ وكيف نمنعه من أن يحصلَ في المستقبل؟ ماذا كان موجوداً ومفقوداً في أنظمةِ الصحةِ والمواصلات والتجارة والغذاء وطرق الوقاية الجماعية والفردية والمشافي والتعليم وغيرها؟ وما هي الخطط البديلة؟ أسئلة لا حصر لها وسوف تُظهر بكلِّ تأكيد من يمتلك قوةَ العقلِ والإرادةَ المنيعة لكي لا يقعَ في الحفرةِ مرةً ثانية، ومن نامَ مرتاحَا لما جنى من تعبِ السنين الذي أثمرَ الآن!

تمر علينا، من لطفِ الله، أحداثٌ قاسيةٌ في الحياةِ نظنها بلوى وشماتة، لكنها تختزن تجارب يخرج منها البشرُ أقوى وأصلبَ عودَا مما كانوا عليه من قبل، مثلهم مثل احتراقِ الغابات الذي يراه الناظرُ شرّا مستطيرا، لكن الهواء الساخن يحمل البذورَ بعيداً وحيث تقع البذورُ تنشأ عنها حياةٌ جديدة وأشجارٌ متراصة. وهذه البذور بعضها لا يتفتح إلا تحتَ الحرارةِ المرتفعة التي تسببها الحرائق!

سوف يطور العالم الدواءَ وسوف يبتكر تقنياتٍ وحلولًا إبداعية تمكنه من مواصلةِ واستمرار حياته وتبقى الأسئلة: من سوفَ يرتقي سلالمَ النجاةِ أولاً؟ وكم هي الخسارة لمن يبقى منكشفاً أمامَ هكذا أزمات؟ ومتى ما وُجد العلاج فهل يتخلى الإنسانُ عن أنانيته ويشاركه غيره ليمنعَ انتقالَ الأزمات وسيرها بين أرجاءِ المعمورة؟ ليس مستغرباً أن يكون الدواءُ جامعاً وموحداً للبشر كما وحدهم المرضُ تارةً والخوفُ منه تارةً أخرى!

وكما من المتوقع أن يحدث هذا التحدي هزةً اقتصادية، فسوف يولد فرصةً جديدة لظهور “اقتصاد الأزمات” الذي لن تستطيعَ أزمةٌ أخرى أن تخرجه عن مسارهِ السليم، وسوف يفكر البشر في مشافٍ ومواصلات محمية من التلوث والعدوى، ولك أن تتخيل ما سوف تخرجه العقولُ المبدعة، شريطةَ أن تسرعَ في البحثِ عن حلولٍ وتحولها سريعاً إلى واقعٍ مجرب قبل الحاجةِ إليها.

من أجملِ الاكتشافاتِ الشخصية أن الأزمةَ خلقت نمطاً جديداً من الحياةِ التي يمكن للفرد فيها أن يستغني عن كثيرٍ من الرفاهياتِ والبذخ ويدرك أنها كانت إضافات غير لازمة لجودةِ حياته ورفاهيته وسعادته، إنما هي النفسُ وما عودتها! كما ابتدعت المجتمعاتُ طرقًا وحلولًا لتسهيل سير حياتها أينما قدرت.

تجمل الإحصائيات أن ٨٥٠ مليون طالبٍ وطالبة في العالم توقفوا عن الذهابِ إلى المدارس، إذن، بكل تأكيد سوف تتطور وسائلُ التعليم عن بعد ليكون فعالًا في الأزمات فيظهر “تعليم الأزمات”. ويقدر أن يخسرَ ٢٥ مليون شخص وظائفهم، لكن كما تعود الغابات بعد الحرائقِ أقوى وأنضر يعود البشرُ بعد الأزماتِ يتفاءل ويعمل وتزدهر الحياة.


error: المحتوي محمي