نُزهة في التفاصيل

كثيراً ما صادفتني جملة “ما عنده ذوق” أو تطرقت لـسمعي عِبارة “مو عارف يعيش”، ولم أستوعب المعنى الدقيق لهاتين العبارتين وأشباههما إلا لاحقاً، بعد عِشرة الناس.

في الحقيقة، صادفتُ الكثير ممن يفتقرون للذوق المعنوي ولتذوق الكون، ممن يفتقرون للنظرة العميقة للحياة، وللشعور بالتفاصيل، عرفت الفئة التي تعيش على سطح الحياة ولم تغوص في جمالها مُطلقاً.

كنتُ وما زلت، أنفر من أولئك الذين يقاتلون لدراسة تخصص عالٍ وصعب، ويجهلون التحاور والكلام ويفشلون في أبسط آداب تبادل السلام، أو لا يحملون معهم العلوم الحياتية لما بعد مرحلة الدراسة، كنتُ أكره مخيلة البعض “المُقيدة”، والتي تجبرهم على حفظ موضوع تعبيري “حُر”، أشفق على أولئك الذين لا يحفظون ولو الزهيد من الشِعر، ولا يجيدون الفُصحى، ولا يتذوقون الأغاني القديمة، ولا يطّلِعون على الديانات الأخرى، ولا عادات الشعوب، أمقت أولئك الذين يكتنزون أموالهم ولا يسخَّرونها لإسعاد ذواتهم أو ذويهم، ولا يزينون منازلهم بحب واهتمام، و لم يجربوا تحليل لوحة فنية، أو تنسيق مجموعة من الأزهار، ولا يكترثون للطبيعة، ويسمعون خرير الماء وصوت المطر كأي صوتٍ عابر، أمقت أولئك الذين لا يقرؤون عن الكون، ولا يتعلمون تنفيذ عملٍ فني بسيط، لا أفهم أولئك الذين يرتدون ملابسهم كي تنال إعجاب الآخرين، ولا يفرّقون بين روائح العطور، ولا يهمهم نوع القهوة التي تُقدم إليهم.

مضحكٌ أن تُنحصر أيام العمر في العمل والنوم وتناول الطعام وتمضي مهرولة بنا دون أن نشعر، مضحكٌ أن نسافر ولا نزور المتاحف ولا نتعلم لغاتٍ جديدة أو لا نطلع على أسرار الدُنيا، مضحكٌ أن نلتقط اللحظات الجميلة كي نعرضها للناس ولا نحيا تلك اللحظة ولا نتذكرها مستقبلاً، وربما تنساها ذاكرتنا البشرية لمجرد تلف أجهزتنا الذكية.

عزيزي الأجوف، عزيزتي الجوفاء، أعطِ نفسك مساحة للاستمتاع بجمال الحياة، استشعر النعم وتذوق ملذات الدُنيا، لا تحسد الآخرين على ثراء أرواحهم وحبهم للتفاصيل، فأنتَ تمتلك الحواس ذاتها، وربما مررت وعشت وحظيت بفرص أكثر من غيرك.

تعلم العيش، أشعل ذائقتك، شغّل حواسك الخاملة، تنزّه في التفاصيل، أعطِ لعقلك فسحته.


error: المحتوي محمي