في علم الهندسة يوصف مسار الإنتاج بالعمل الميكانيكي، حيث تنحصر كل مرحلة فيه على خطوات محددة لا تقبل الزيادة ولا النقصان، بينما تتسم الديناميكا بأنها المحرك للعمل الميكانيكي، لو وظفنا كليهما على النهج الوظيفي يمكن أن نستنتج بأن الموظف الذي يقوم بدوره فقط دون زيادة ولا نقصان هو موظف ميكانيكي، ومن لديه مساحه للإبداع والابتكار ويأخذ دور المحرك للعمل الميكانيكي هو الموظف الديناميكي.
بعد هذا الشرح المبسط، لنسلط الضوء على تجربة واقعية جميعنا لمسناها، منذ أن أعلنت الدولة عن رؤية 2030 وما تبعها من خطوات جذرية لتحسين أداء خدمات الدوائر الحكومية، شهدنا جميعا تطوراً هائلاً وعملاً نموذجياً على المستوى الخدماتي على جميع الأصعدة، هذا المستوى النموذجي لم يكن ليرى النور لولا وجود مساعٍ جادة للإنجاز، ووجود إدارة ذات فكر استراتيجي (ديناميكي) مما أدى لانعكاس جميع هذه المعطيات إيجاباً على أداء الدوائر الحكومية بموظفيها، ومع استمرارية السعي نحو التطوير، ستتجاوز نموذجية الأداء للدوائر الحكومية الكثير من الشركات في القطاع الخاص.
في المقابل، يغلب على القطاع الخاص النفس الرأسمالي (وهو حق مشروع)، بالتالي أصبحت الشركات محدودة في مساعيها على تحقيق هامش الربح فقط حتى لو تم ذلك على حساب الموظف وبيئة العمل والجانب التنظيمي، مما انعكس سلباً على أداء إدارة الموارد البشرية، فالموارد البشرية مرآة الإدارة، إن كانت الإدارة ذات بعد استراتيجي وتسعى نحو بيئة عمل مستقرة، سينعكس ذلك على أداء الموارد البشرية والعكس صحيح، ولذلك أصبح نهج موظفي الموارد البشرية أقرب للميكانيكا (منفذون فقط).
طبعاً هذا لا يعني أن نصب كل اللوم على إدارة الشركات، بعض النماذج في الموارد البشرية أيضاً لعبت دوراً في تشكل الصورة غير المنصفة للموارد البشرية، ففي الموارد البشرية يوجد من يرون أنهم سلطة مطلقة (أنا ربكم الأعلى)، وينبغي للجميع الانصياع لهم، ويوجد في الموارد البشرية من كان مسبقاً معقباً للدوائر الحكومية وتقلد المنصب تكريماً للسنين التي يمضيها في خدمة الشركة، ويوجد في الموارد البشرية من هو أشبه بالطبيب الذي عالج خالتي قماشة، عنده تراكم تجارب (خبرات) تعلم منها ولكن يفتقر للإستراتيجية والتخطيط، ويوجد في الموارد البشرية من حصل على الوظيفة وهو لا يملك الخبرة ولكن لأن أجره أقل من ذوي الخبرة تم توظيفه.
رغم ذلك، موظفو الموارد البشرية من أكثر الموظفين سعياً لخدمة المجتمع، ونجد ذلك جلياً في كثير من مبادرات نشر الوظائف والسعي نحو مساعدة العاطلين عن العمل دون احتساب أجر مادي. أيضاً يسعى موظفو الموارد البشرية بشكل ملفت ومستمر إلى عقد اللقاءات الثقافية والتدريبية والتوجيهية، كل هذه المساعي توضح كم أن الموارد البشرية شقوفون في خدمة الآخرين.
الموارد البشرية بحاجة لإدارة تدرك قيمة الموارد البشرية والرأس المال البشري لتعطي وتبدع.