من القديح.. الثويني: في رحلة البحث عن أطعمة صحية لأطفالي وجدت مشروعي الخاص

أخبرها الطبيب بعد طول معاناة مع ابنها الصغير أن العلاج الأخير والشافي له هو إزالة اللوزتين منه، ورغم بساطة العملية الجراحية إلا أن الأمر لم يكن طبيعيًا أو مُتقبّلاً لديها، فقد شعرت أنها لا تتحمّل فكرة أنّهم سيستقطعون جزءًا منه، فما كان منها إلا أن خرجت بصغيرها، وداخلها حربٌ وتحدٍّ كبير بكل قوة الحبّ وغريزة الأمومة وبدأت رحلة القراءة والبحث والعلاج البديل، ومن رحم المعاناة وبما يُزرع من خيرات الأرض نجحت تلك الأم في تحدّيها، فقوّت مناعة أطفالها، بعد أن لجأت للطب البديل، وبدأت في صناعة بعض المأكولات الخاصة لأطفالها، فزبدة الفول وزبدة الشوكولاتة لم تعد تبتاع من البقالات كما هو حال الكثيرين، بل أصبحت تعد منزليًا بوصفة خاصة من الأم لأطفالها.

وتوالى تصنيعها للمنتج تلو آخر، حتى قررت أن تتجاوز بما تصنع جدران بيتها، فخرج للنور مشروعها الصغير “السيدة بندقة”، وهو عبارة عن تصنيع زبدة طبيعية في منزلها بأيدي الأم المهتمة بصحة أبنائها وبيعها لكل من يرغب بأطعمة طبيعية تخلو من المواد الحافظة.

نعيمة حسن الثويني، أم لطفلين “علي وفاطمة”، درست اللغة العربية لمدة ثلاث سنوات، لكن ظروف الأمومة والكفا ح منعتها من إكمال دراستها.

بونٌ شاسع
قبل 12 عامًا، وتحديدًا في فترة تجارة المنتديات وغزو التجارة الصينية، طلبت الثويني المنحدرة من بلدة القديح ملابس عديدة لزواجها من إحدى التاجرات في ذلك الوقت، لكنّها انصدمت من رداءتها ورداءة الخامة، فقررت أن تخوض التجربة وتتحدّى نفسها وظلّت تبحث عن بضاعة ممتازة للسوق وبسعرٍ ممتاز أيضًا، وبقيت 3 سنوات في هذا الجانب حتى افتتحت لها بوتيك في مركز نسائي، ولكن هزة قوية بوفاة أحد شباب العائلة أتعبتها كثيرًا، ممّا اضطرّها لإيقاف العمل.

عادت الثويني بعد سنوات فوجدت نفسها غير قادرة على ممارسة العمل كالسابق، بسبب انقطاع العمل بينها وبين  زبائنها، ومع رغبة الكثيرات منهن لرجوعها وإخبارها بأنهن مازلن يحتفظن ببضاعتها ذات الجودة والسعر المنافس، ومع بقاء هذا الجانب من حبّ الأزياء بداخلها إلا أنها لم ترد التسرع والخوض فيه من جديد دون خطة مسبقة، ومن تجارة الأزياء لتجارة الزبدة والبونُ بينهما شاسع.

سباق الأفكار
تتسابق الأفكار وتتسارع بعقل الثويني دائمًا وبشكلٍ متجدّد، والعملُ عالمها الخاص، تأتيها الأفكار والخطط على الدوام، ولكن صعوبة التطبيق أو التوجيه، وأحيانًا عدم اكتمال الصورة بعقلها والتفاصيل الكثيرة تسرق منها الوقت دون أن تشعر، وفكرة المشروع كانت مخزونة مع أفكارها منذُ زمن وتود تطبيقها ، لكنها أطلقت المتجر وأظهرت فكرتها للنور تحديدًا بتاريخ 4 ذو الحجة 1440ھ، مع إنّها قد ابتاعت أغراضها من قبل سنة، وقامت ببعض التجارب التي فشلت في بعضها ولاقت التعب والخسارة قليلًا حتى أصابها الإحباط، فابتعدت قليلًا وأسكتت صوت أفكارها فترة، ثم رجعت بكامل قوتها وقرأت واطلعت بكل شغف وطبّقت ذلك عمليًا حتى ظهرت بالنتيجة الجميلة التي كانت ترجوها.

السيدة بندقة
لزبدة البندق قصة لم تكن الثويني تعلم بها، ترويها لـ«القطيف اليوم»: “البداية كانت كثرة أمراض وحساسيات من بعض المأكولات عند أطفالي كالكورن فليكس “حبوب الذرة الخاصة بالإفطار”، والحليب والحلويات، فكنتُ أعاني من الحرارة والحبوب والانتفاخات المفاجئة والمرعبة لي بسبب بعض الأطعمة والعصيرات، لذلك قررت أن ألجأ للطبيعة الأم وأستفيد من خيرات الأرض وكنوزها، فصرتُ أصنع الشيبسي من البطاطس والشمندر، كما بدأت في صنع النوتيلا الطبيعية وتجنبتُ السكريات، فالسكر يكاد يكون معدومًا في بيتنا منذ 7 سنوات، والبديل الدائم  لي الدبس والعسل مع تحفظاتي عليه بسبب الغش في بعض الأحيان”.

وتمضي في حكايتها: “كان طفلي يعاني فرط الحركة، ومن الحرام بنظري أن أؤذيه بسبب هذه المأكولات الصناعية، فلجأتُ للبدائل  وصرت أصنع النوتيلا، وأنواعًا من الزبدات، ونقلتُ هذه الثقافة لأخواتي، حتى إنّ أختي تستبدل السكر بسكر القصب والدبس في صنع الكعك حتى يستطعمها أطفالي ويكون لهم نصيب في تجمعات الأهل”.

قلمٌ وورقة
لاقت الثويني الدعم الأول من زوجها، فهي تعبئ في جعبته الأفكار، وهما يرسمان الخطط سويًا وربما يتعارضان أحيانًا، لكن ذلك التعارض تراه نعيمة ترتيب أولويات، فالحماسة أحيانًا والقفزة السريعة المفاجئة يصبح بعدها فترة ركود -بحسب رأيها-، وقد تعلمت من تجاربها أن تصعد بهدوء وروية من الصفر وبطريقة تسلسلية، مضيفةً أن دور أهلها لم يخبُ في حياتها، حيث وجدت التشجيع من أخواتها وبقية أهلها بتذوق منتجاتها.

بندقة
انبثقت فكرة اسم المتجر “مس بندقة” من شخصية احتفظت بها ذاكرة الثويني من إعلان قديم لزبدة البندق، فتخيلت شعار متجرها لبندقة مشاكسة نوعًا ما ومشاغبة، وتحب الحياة ولها طراز خاص، كما هي روحها تمامًا، لكنّ التصور الذي ترجوه لم تصل فكرتهُ الموجودة بعقلها إلى الكثير من المصممين الذين طلبتهم.

وتقول حول مشروعها: “هذه الزبدة كنتُ أصنعها في البيت لأسرتي ونستطعمُها ونستلذُّها وأعطيها كذلك لبعض الخواص من أهلي، ثم قررتُ خوض تجربة التجارة، فلاقيتُ بعض الصعوبات كصعوبة توفير بعض العلب الزجاجية بالمقاس الذي أريده، لأنني أردتُ الابتعاد عن البلاستيك، كونه ضارًا بالطبيعة، فإنني أفضّل الأشياء الطبيعية ليس للزبدة فقط وإنما أحاول الابتعاد عن مسحوق الطماطم الصناعي، وكذلك البيض، وجميع المأكولات الصناعية”.

وتضيف: “أصنع الكثير من أنواع الزبدة كالبندق والكاجو واللوز وغيرها والتي تُستخدم كنوع من الحلا، ويمكن تزيين البان كيك بها، أو تحشية الكب كيك، أو دهنها بخبز التورتيلا، أو وضعها بالحليب أيضًا، أو صنع مشروبات منها مع بذور الشيا وبذرة الكتان وغيرها، إنها ليست مقيدة باستخدام معين فعالمها مفتوح، وأنصح بها كبار السن الذين يحبون المكسرات لكنهم لا يستطيعون ذلك بسبب قسوة المكسرات على أسنانهم”.

بارد وجاف
وتنصح الثويني بحفظ هذه الزبدة التي لا تستخدم فيها أية مواد حافظة في مكان بارد وجاف، منوهةً بأنها تبقى لفترة طويلة دون أن تفسد بشرط ألا يمسّها الماء أو يتبقى عليها شيء من فتات الخبز وغيره أو تتعرض للحرارة، فالجو الحار يؤذي الزبدة أو وضع الملعقة المعدنية بداخلها.

كنوز الأرض
وتشاركنا الثويني تجربتها في الطب البديل بقولها: “في النهاية أنا لستُ طبيبة ولكنّي تنوّرت وتعلمت وخبراتي كثيرة، وتجاربي علمتني أنّ الخيرات والبركات والكنوز موجودة في أرض الله الولادة بالخيرات، وفيما أنعمه المولى علينا، وعلينا فقط أن نبحث عنها، وألا توقفنا السقطات مهما كانت قاسية”.


error: المحتوي محمي