ذات مساء وفي ليلة من ليالي الشتاء الباردة وحيث لا أحد، لاح لناظري شعاع من بعيد تأملت فيه كثيراً، لم أستطع تحديد معالم ذلك الشعاع ومن أين مصدره.
سمعتُ صوتاً دافئاً يتحدث إليّ، فعاد بي لذلك الزمن البعيد حيثُ التقينا أول مرة.
سنوات طويلة انقضت على ذلك الصوت الذي كان يربكني حين سماعه، وتتسارع نبضات قلبي ولا أهدأ.
وفي لحظة انبهاري بما سمعت ومحاولتي للتفتيش عنه، جاءني نداء الرحيل، إنه الفراق الطويل.
آه يا قلبي عشتُ زماناً طويلاً أبحث عن هذا الحبّ وحين وجدتهُ رحل سريعاً.
عدتُ إلى حيثُ كنت على تلك الأريكة وقرب المدفئة، أرخيت رأسي ودمعت عيناي، بأنفاسٍ تتقطع وقلب مجهد.
فقلت في نفسي: إن أجمل ما في الأمر أن الله تعالى أراني ذلك الشعاع وجعلني أستشعر وجوده بقربي لأتيقن أنه لا بد للحياة أن تستمر، بألمها، بحزنها، بتعبها، وبشوقها لمن نحب.
رضا بقضائك يا رب لا معبود سواك، وإنّي بفقدك يا حبيبي لموجوعة وأرهقني الشوق والحنين، لكنها سنّة الحياة.
رحم الله الأستاذ محمد الجارودي وأسكنه فسيح جناته.